ما رأيك فيمن يقول: إن القيام بجانب واحد من أمور نفع الإسلام أجدى وأنفع من الجوانب المتنوعة؛ لأن في ذلك تركيزاً للجهود؟
الجواب
هذا صحيح لبعض الناس ومن بعض الوجوه، وهناك فرق بين المنهج وبين التطبيق، فحينما نتحدث عن المنهج الأمثل في الإسلام لا بد أن نعترف ونقر بأن المنهج الأمثل في الإسلام لمن يستطيعه هو الشمولية والعمومية، لكن عند التطبيق نجد أن بعض الناس لا يستطيع أن ينفع بأكثر من نفع واحد، فقد تعطيه مهمة واحدة يشتغلها، وإذا أعطي أكثر من مهمة يرتبك، فهذه قدرات ولكن ليس له دخل في المنهج، ولذلك حتى الصحابة رضي الله عنهم وهم الجيل الأول والكمّل قد لا يستطيع الفرد الواحد أن يعمل إلا عملاً واحداً، ومنهم من برّز في شيء ولم يبرّز في أشياء، وليس معناه أنه مقصّر، بل هذه استطاعته، كذلك بالنسبة للتطبيق وبالنسبة للعمل في الدين والإسلام سواء العمل الواجب على كل فرد أو الأعمال التطوعية، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وينبغي أن نحمد هذا ونحمد هذا، والإنسان الذي يعمل بعمل واحد ويتمه ولا يستطيع أن يعمل أكثر منه، يُحمد على ذلك وربما لا يقل أجره عن أجر ذاك الذي يعمل أصنافاً من الأنشطة أو غيرها، فربما كان أجر هذا أكثر من أجر ذاك.
إذاً: يجب أن نفرّق بين أمرين: بين مسألة المنهج عندما نرسم القدوة لأجيال المسلمين، نبيّن لهم أن القدوة كذا وكذا، ولا نجعل القدوة في أمر جزئي يصرف الناس عن الواجبات الأخرى، والذي جعل بعض الجماعات الإسلامية وبعض المراكز وبعض الهيئات وبعض الاتجاهات يعمل بعمل واحد ويخطئ الآخرين، مثل بعض الشباب الذين يدّعون السلفية لا يهمهم فقط إلا قراءة علم الحديث، وإذا قرأت في الفقه فأنت قد خرجت عن منهجهم، وإذا اعتنيت بالعقيدة فأنت قد خرجت عن منهجهم، وإذا عملت بنشاط عملي للناس في أنشطة مدرسية أو مؤسسية أو مراكز صيفية، فتكون عندهم قد خرجت عن المنهج، وهذا غلط بل المفروض أن يحمدوا لهذا عمله ويشجعونه، وقد يكون الواحد ليس عنده استيعاب للعلم الشرعي ولا يستطيع ذلك وحتى يقرأ الحديث قراءة متخصصة، لكنه يعمل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا نقل: إنه مقصّر! لا، نقول: جزاك الله خيراً، وهذا عملك، إذاً: يجب أن نعرف أن الناس تختلف قدراتهم كأفراد، فالذي يقدر على الكمال ولا يسعى إليه مقصر، والذي يسعى إلى الكمال ولا يستطيعه هذا مفرط، فينبغي أن نبيّن له أنه كما قال الخليل بن أحمد للأصمعي حينما أراد أن يتعلم العروض، وهو إمام ترجع الأمة إليه إلى الآن قال له بيتاً: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع فعرف وأدرك أنه يريده، فخرج، فهذا عالم ولا يضره هذا، ولا يضر ذلك في قدره ولا في أجره عند الله عز وجل، فالأجور عند الله لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
ويبدو لي من خلال السؤال أن هناك فرقاً بين أن نرسم المنهج الأمثل وبين واقع الناس، لأن الناس حسب مقدراتهم، وكل من عمل خيراً وهذا ما يستطيعه نقول: جزاك الله خيراً، ونشجعه ونؤيده، حتى لو ما عمل إلا أدنى المعروف الذي أوصى به من وصايا، فينبغي أن نفهم هذا وذاك لئلا نخلط.
فمن الخطأ الفادح والخلل الذي أوقع شبابنا في ربكة وجعل كثيراً منهم لهم جهود في الخير ولكن يكون عندهم نوع من الاضطراب الآن هو خطأ كثير ممن ينتسبون إلى الدعوة والعلم في تبصير الناس وقصرهم الخير على باب واحد، ويخطئون من يعمل بغير هذا الباب، ويجعلون ما يجيدونه هم هو الأنموذج بأمر قد لا يريده بعض الناس الآخرين، والناس يتفاوتون، فمنهم من لا يفهم إلا فهماً بسيطاً، ومنهم من لا يعمل إلا عملاً بسيطاً، ومنهم من يستطيع أن يصدر عن عمله ويشغل الأمة، وفرق بين هذا وذاك، وبعض الناس ينفع نفسه ويكف شره عن الناس، فهذا على خير عظيم، وبعض الناس خير كله، تجده معطاء، فلا نجعل الناس كلهم على درجة واحدة، إنما المنهج ينبغي أن يكون هو المنهج الشامل وهو منهج السنة.