[بيان أن الإسلام الذي أوجبه الله تعالى هو السنة وأدلة ذلك]
أراد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يبيّن أن الإسلام الذي أوجبه الله عز وجل هو السنة كما سترون.
فقوله: (باب وجوب الإسلام) أدرج تحته من النصوص والآثار ما يدل على أنه جعل الإسلام يتمثل بالسنة بعد ظهور البدع، وهذا حق، ولا يعني ذلك خروج المبتدعة والمبدّلين الذين لم يخرجوا من الملة، لا يعني خروجهم من الإسلام، لكن يعني بذلك أن الله عز وجل كما أوجب الإسلام بالعموم فقد أوجب الاستمساك بحقيقة الإسلام عند اختلاف الناس وعند ظهور الأهواء والبدع، ولذلك فسّر الإسلام في النصوص التالية بالسنة، وهذا من عظيم فقهه؛ لأنه في جميع مؤلفاته كان يترسّم مناهج السلف بدقّة ويزن بها الواقع الذي كان عليه الناس، ولذلك أورد في الآية الأولى قوله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥]، وهنا قصد الإسلام العام والإسلام الخاص، والإسلام بمعناه العام هو الذي بعث الله به جميع المرسلين، فإن الآية لها عموم، ولها مفهوم خاص، أما الآية في عمومها فإنها تعني أن الله عز وجل لا يقبل من أمة من الأمم إلا الإسلام الذي جاء به النبيون والمرسلون؛ ثم الآية خاصة بهذا الدين؛ لأن الأديان السابقة غُيّرت وبُدّلت ونسخت، فكان بالضرورة أن الآية أصبحت تتوجه إلى هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمنذ أن بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بلغه الإسلام فإنه إن ابتغى غير الإسلام فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام الذي هو هذا الدين الخاتم، وهذا ما قصد به الشيخ من وجوب الإسلام، وأن الإسلام واجب على جميع العباد، وأن الله لا يقبل غيره.
ثم في الآية التالية كذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] أي: أن الدين المقبول والدين الحق هو الإسلام، وهذه الآية لها عموم وخصوص، فهي عامة في جميع الديانات الشرعية التي أنزلها الله على رسله، فإن الله لا يقبل من جميع الأمم إلا الإسلام، وأنه لا يمكن أن يكون الدين بالمفهوم الشرعي المقبول عند الله عز وجل حق إلا ما جاءت به الرسل، ثم الآية خاصة بهذا الدين بعد أن نسخ الله الأديان السابقة وختم الله الديانات بهذا الدين وبمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن الدين عند الله هو الإسلام الذي هو السنة وما تستلزمه.
ثم ذكر قوله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:١٥٣] معناه: أن اتباع الإسلام واجب، وصراط الله المستقيم هو هذا الدين المتمثل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣] وهذا تأكيد في وجوب التزام الإسلام المتمثّل بالسنة.
ثم ذكر قول مجاهد بأن السبل: البدع والشبهات، وهذا هو ما فسّر به السلف معنى السبل، فالسبل ليست طرائق الناس في الحياة، ولا المناهج الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، إنما السبل هي الاختلاف في الأصول، وهي البدع التي يخرج بها الناس عن السنة، جزئية كانت أو كلية فإنها سبل، وأغلب السبل هي أصول الفرق؛ لأنها بدأت من أمور صغيرة ثم انتهت إلى أصول ومناهج، فتمثّلت في سبل نعبّر عنها بالأصول والمناهج والطرائق.
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولو نظرنا علاقة هذا الحديث بباب وجوب الإسلام لوجدنا أنها واضحة، لأن الإسلام الذي أمرنا بوجوب التزامه هو التزام السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلّغ الأمانة وأدى الرسالة قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذاً: يجب أن نلتزم بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نبتعد عما يخالفه، ولذلك فمن جاء بما يخالف الإسلام بأي أمر من الأمور وسواء كان صغيراً أو كبيراً فهو مردود على صاحبه، فيجب التزام الإسلام الذي هو نهج السنة.
ثم ذكر للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، ثم ذكر أن من عصاه فقد أبى، وأن من أطاعه فقد دخل الجنة وارتباط هذا بوجوب الإسلام هو أن هذا الحديث يحقق فيه التزام طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يتمثّل بها وجوب الإسلام، فالإسلام لا يتحقق إلا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن تحقيق وجوب الإسلام طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر الحديث الذي يليه: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة)، وذكر منهم: (ومبتغٍ في الإسلام سنة جاهلية) فهنا يؤكد على أن الإسلام الذي يجب التزامه هو الأخذ بالسنة.
وذكر تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك وهو قوله: (سنة جاهلية) أنه يندرج فيها كل جاهلية