للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الصوفية من حيث الحقائق]

التقسيم الآخر: وهو يتعلق بمفهوم التصوف ومعانيه، وقبل أن نذكر هذا التقسيم نبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا ذكر الصوفية تارة يذكرهم بالاسم العام، فيقول: الصوفية أو المتصوفة، وتارة يذكرهم في سياق إضافي، وإذا ذكرهم في سياق إضافي نجد أن الإضافة يتباعد قدرها، فمثلاً: نجده تارة يقول: مقتصدة الصوفية، وتارة: محققو الصوفية، وتارة: فضلاء الصوفية ..

إلى أمثال ذلك.

ومن الملاحظ في هذه التعبيرات أنها تعبيرات مقاربة، بل ربما يستعمل ما هو أكثر من ذلك.

ولكنه بالمقابل يستعمل جملاً وسطاً حينما يقول مثلاً: مبتدعة المتصوفة، ومنحرفة المتصوفة، هذا نعتبره إضافة تقرير تمثل الدرجة الثانية، ليس فيها وصف بالغلو المطلق، ولكنه أيضاً ليس كالألفاظ والاستعمالات الأولى.

ثم نجد كذلك أنه يستعمل إضافات أشد، وهي الإضافات القوية، وذلك حينما يقول مثلا: ً غلاة المتصوفة، ضلال المتصوفة، وربما يستعمل سياقاً فيه لفظ الزندقة، وربما يحكم على بعض المقالات بحكم تام في القوة، كأن يقول: إن هذا القول مخالف لأصول دين المسلمين، وهو من البدع المغلظة المخالفة لقول عامة المسلمين من الصوفية وغيرهم ..

فلماذا هذا؟

لأن هذا هو الواقع من حيث الحقائق؛ فإن التصوف اسم عام قد يدخل تحته المقتصد، ويدخل تحته المتوسط -إن صح التعبير- ويدخل تحته الغالي.

فليس التصوف بسائر أوجهه غالياً، وفي المقابل ليس التصوف بسائر أوجهه مقتصداً، بل من بعد القرن الثاني -أي: من القرن الثالث إلى اليوم- ما زال التصوف منه ما هو قد يكون مقتصداً، ومنه ما هو فوق ذلك، ومنه ما هو من التصوف الغالي الذي لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يخفف في شأنه؛ لمنافاته لأصول مقاصد دين الإسلام.

هذه الاستعمالات لكلام شيخ الإسلام لما ذكر التقسيم من حيث الحقائق قال: "إن الصوفية ينقسمون إلى ثلاثة أقسام"، وهذا التقسيم مبني على مقدمات، فإنه من المعلوم في منطق الكلام أنه يقال: المقدمات والنتائج، فهذه النتائج جاءت عن ثلاثة أنواع من المقدمات:

فيقول: صوفية أصحاب الحديث، هذه درجة أو طبقة.

وصوفية أصحاب الكلام، أو صوفية المتكلمين.

وصوفية المتفلسفة.

الآن جعل المصنف منهج أهل الحديث والسنة والجماعة مقدمة بنى عليها بعض الصوفية فأنتجوا التصوف تحتها، فأصبحت المقدمة في الجملة مقدمة سنية، والنتيجة التصوف الذي أنتج من هذه المقدمة.

وثمة تصوف أنتجه أصحابه تحت مقدمات من المعرفة الكلامية، وثمة تصوف أنتجه أصحابه أو حصلوا نتيجته تحت مقدمات فلسفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>