للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دفع الغلو بالاقتصاد في السنة]

قال المصنف رحمه الله: [ومن ذلك الاقتصاد في السنة واتباعها كما جاءت بلا زيادة ولا نقصان، مثل الكلام في القرآن، وسائر الصفات].

الرابط بين مسألة الغلو والاقتصاد في السنة: هو أن دفع التعصب ودفع الغلو لا يجوز أن يكون بغلو مطابق، وهذا يفوت على كثير من العامة المتبعين للسنة، ويجعلهم يتعصبون أكثر لما هم عليه من الخطأ، فقد يكون بعض العوام من المسلمين ضل على هذا الوجه فأول ما يأتيه من يتكلم باسم السنة والدعوة للدليل تفاجأ بطبيعة خاصة عنده، إما ضيق في الخلق أو شدة في التعامل، أو غلظ في الإنكار أو مبالغة في التخطئة، أو أحياناً تصل الأمور إلى تكفير فيما لا يصل الأمر فيه إلى ذلك.

وهذا يزيد الأمر تعصباً وإغلاقاً، ولذلك لا بد لدفع الغلو والتعصب الموجود والشائع عند كثير من عوام المسلمين اليوم لهذه الأوجه المحدثة في الإسلام، أن يكون ذلك اقتصاداً في السنة واتباعها والدعوة إليها.

إذاً: يدفع هذا التعصب بالاقتصاد في السنة؛ وإذا قيل: الاقتصاد في السنة فإنه يجمع معنيين:

المعنى الأول: هو اتباع السنة، وهذا يؤخذ من ذكر السنة.

المعنى الثاني: هو الفقه والاعتدال، وهذا تأخذه من كلمة الاقتصاد.

فمن يريد أن يصحح الغلو في مذهب آخر بغير السنة فلن يصل إلى نتيجة صحيحة، ومن يقصد إلى السنة لكن بغير اعتدال وحكمة واقتصاد فهذا ربما زاد الأمر سوءاً، ولو كانت أصوله العلمية أصولاً صحيحة؛ لأن الناس في التصحيح يحتاجون إلى علم، وهذا من المبادئ الأساسية، وليس من الآداب العامة، فإن بعض الناس لا يرى العلم إلا إذا قيل: قال الشافعي ..

قال الحنفية ..

قال فلان ..

أي معرفة الفقه المقارن، والمذاهب العقدية والوصول إلى الآراء، وهذا سهل، لكن فقه الخلاف في العقيدة وفقه الخلاف في الفقه وفي أصول الفقه والسلوك هذا أمر مهم.

والناس في التصحيح يحتاجون إلى أمرين: الأخلاق والعلم، فإن الذي يأتي الناس بأخلاق بدون علم لا يصلح السماع منه؛ لأنه ينقلهم من خطأ إلى خطأ آخر، وهذا مثل ما يوجد في بعض الجماعات الدعوية الذين عندهم أخلاق لكن ما عندهم علم شرعي يقودهم إلى تحقيق السنة واتباع السلف، فتجدهم يدعون الناس بمجرد الطريقة الأخلاقية العامة، لكن لا يهمهم انتقلوا من أين إلى أين!

ومن يأتي أيضاً بالعلم وحده لا يفيد؛ لأن النفوس المتعصبة آلفة، والمشركون مع أنهم على جاهلية جهلاء إلا أن تعصبهم أغلق عندهم الحقيقة، مع أنها واضحة جلية، وفي ذلك يقول أبو طالب:

ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا

وهذا ليس مقارنة للمسلمين اليوم بالجاهليين، لكن من باب الأولى، أي: إذا كان الجاهلي الذي يدرك أنه على جاهلية وعلى خرافة وعلى أسطورة، وعلى كفر، لكن حجته: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:٢٢] فكيف بمن عنده أصول يدرك أنها من الإسلام، وأنه على جزء كبير من الإسلام؟!

ولذلك في أول مخاطبة لـ شيخ الإسلام لهذه الطائفة قال: "قد منّ الله عليكم بالانتساب للإسلام، ثم يقول: منّ الله عليكم بالانتساب للسنة"، مع أن الذين خوطبوا بهذا الكلام لم يكونوا على طريقة عدي بن مسافر الأولى، بل هؤلاء قد دخلت عليهم كثير من الانحرافات.

فهكذا الفقه الأخلاقي للوصول إلى الحقيقة، والتصحيح، والدعوة إلى السنة، واتباع السلف رضي الله عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>