للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قتال علي بن أبي طالب للخوارج]

القسم الثاني: وهو قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج، وقتال الخوارج الذين كفروا المسلمين وكفروا علياً والصحابة رضي الله عنهم، واستحلوا دماءهم -وهم الذين حدث النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم- قتال مشروع بالنص والإجماع.

أما النص فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم - بالروايات المستفيضة-: (قاتلوهم؛ فإن لمن قاتلهم أجراً عند الله، لو يعلم المقاتل لهم ما أعد له من الأجر لنكل عن العمل) إلى غير ذلك.

وأما الإجماع فهو إجماع الصحابة على تصويب علي في القتال، وإن كان بعض الصحابة لم يشارك فيه لسبب، لكن لم يظهر أحد من الصحابة الإنكار على علي بن أبي طالب في قتالهم.

لكن قتال الخوارج ليس قتال ردة؛ لأنهم ليسوا مرتدين وليسوا كفاراً، بل هم عند جماهير السلف وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الخوارج الأولى في ظاهر مذهب الصحابة أنهم مسلمون ولكنهم مبتدعة باغون ظالمون"، وإن كان كثير من الفقهاء المتأخرين -ويحكى هذا رواية عن الإمام أحمد - كفروا الخوارج، وهذا غلط مخالف لعامة فقه الصحابة، فإنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه نطق بتكفيرهم، بل سنة الصحابة -مع إجماعهم على قتالهم- في قتالهم جروا فيهم بسنة المسلمين.

فإن هناك فرقاً بين سنة الحرب مع المسلمين، وبين سنة الحرب مع الكفار، فهم جروا فيهم بسنة المسلمين، فلم يجهزوا على الجريح، ولم يتبعوا المدبر، ولم يقسموا الغنائم من أموالهم وما إلى ذلك، ومن هنا أخذ شيخ الإسلام والإمام أحمد من المتقدمين أن علياً والصحابة لا يرون كفرهم وردتهم، وفي مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن علياً رضي الله عنه سئل: (يا أبا الحسن أكفار هم؟) وانظر إلى فقه علي ودينه؛ لأن من جمع الدين والفقه فهذا هو المستقيم، قال: (من الكفر فروا.

فقيل: يا أبا الحسن! أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً)، وهذا من فقه الاستنباط عنده رضي الله عنه، قيل: (فما هم؟ قال: هم إخواننا بغوا علينا)، ثم قال جملة لا بد لطالب العلم أن يتفقه فيها، قال: (هم إخواننا بغوا علينا أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا)، وهذا هو الأمر الخطير، وهو أن الإنسان يدخل فتنة فيكون أعمى أصم فيها، ولذلك استطال الأمر بهؤلاء الخوارج حتى قتلوا علياً رضي الله تعالى عنه.

وقد استدل من يقول بكفر الخوارج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الدين)، فيقال: هذا من حيث كلام العرب لا يدل على الكفر، وباختصار: أولى الناس بفقه كلام النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا الحرف يدل على كفرهم نصاً أو ظاهراً لقضوا به؛ لأنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ما ترددوا في قتالهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع قتالهم.

أما من يقول: نحن متعبدون بالنص.

فنقول: هذه هي الإشكالية في المسائل الوسطية، أن فقه النص لا بد أن يكون على قواعد السابقين الأولين.

<<  <  ج: ص:  >  >>