للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاجتهاد المخالف للشريعة]

إذا تكلمنا عن الاجتهاد فقد يكون من المستغرب الكلام عن مصطلح الاجتهاد في مسائل السلوك؛ لأن المألوف أن مسألة الاجتهاد مسألة من مسائل أصول الفقه، فإن جمهور كتب الأصوليين تكلمت عن مسألة الاجتهاد، وعن الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد: من علمه بالحلال والحرام، والناسخ والمنسوخ، واللغة وما إلى ذلك، وهذا الذي يذكرونه في الجملة يقصدون به المجتهد في فقه فروع الشريعة.

ولكن هذه الكلمة -أعني: كلمة الاجتهاد- كلمة عامة لا تختص بمسائل الفقه المتعلق بالعبادات أو بالمعاملات، بل هذا التضييق لهذه الكلمة ليس حكيماً، ويمكن أن يقال: إن الاجتهاد ينقسم إلى: اجتهاد شرعي، واجتهاد مخالفٍ للشريعة، وهذا التقسيم لا من جهة الشريعة، ولا من جهة اللغة، ولا من جهة الحقائق البشرية المجردة؛ لأن اجتهاد الإنسان قد يكون اجتهاداً مأذوناً فيه، وهذا حتى في التصرفات العادية البعيدة عن الشريعة، قد يجتهد الإنسان في عمل فيكون مخطئاً في تحركه بهذا الاجتهاد وقد لا يكون كذلك.

فإذا قلنا: إن الاجتهاد ينقسم إلى قسمين: اجتهاد شرعي، واجتهاد مخالف للشريعة، فالسؤال: هل يلزم من الاجتهاد الشرعي أن يصل صاحبه إلى الصواب؟

الجواب: لا؛ فإن الاجتهاد الشرعي قد ينتج عنه في حق المجتهد صواب، وقد ينتج عنه في حق المجتهد غلط وخطأ، وهو في الحالين على وجه من الشريعة وقبولها، وهذا ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن عمرو بن العاص: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر).

إذاً: الاجتهاد الشرعي قد يقع عنه صواب في حق المجتهد، وقد يقع عنه غلط، ولكن إذا جرى المجتهدون في مسألة من مسائل الشريعة باجتهاد شرعي، فإنه وإن غلط بعضهم إلا أنه يلزم حكمة وشرعاً أن بعضهم يصل إلى صواب، فلا يمكن أن سائر المجتهدين من الأئمة يضلون الصواب في المسألة؛ لأن الله سبحانه وتعالى مضى قدره أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.

أما الاجتهاد المخالف للشريعة فهو بحسب الأبواب، إذا تكلمت في باب العقائد والتصديقات فله كلام، وإذا تكلمت في باب الفقه وما يتعلق به فله كلام، وإذا تكلمت في باب السلوك -وهو الباب المقصود هنا- فله كلام.

فأقول: إن الاجتهاد الذي ابتلي به الخاصة من الصوفية -وهو اجتهاد مخالف للشريعة- له ثلاث صور قد تكون هذه الصور متداخلة مع أبواب أخرى من أبواب الإسلام لا تختص بالسلوك، لكن في هذا الباب نقول: الاجتهاد له ثلاث صور، كل صورة تختلف بوجه ما، ونقول: بوجه ما لأن طبقات الصوفية -كما تقدم- قد تكون مقتصدة معتدلة، وقد تكون فوق ذلك، وقد تكون غالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>