للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الرابع: قال تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ [سورة يس: ٤٧] استهزاء بالمؤمنين وتعنيتا لهم .. فرد الله عليهم بقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سورة يس: ٤٧].

واختلفت طريقة المشايخ في بيان كونهم بهذا القول في ضلال مبين .. فذهب الشاطبي إلى أن هذا القول منهم إنما كان حيدة عن سنن الجواب الصحيح.

فقد كان طريق الجواب الصحيح الامتثال أو عدم الامتثال، بقول" نعم" أو" لا" .. لكنهم عدلوا عن ذلك إلى الاحتجاج بالمشيئة الإلهية التي لا تعارض، فقالوا: لم يشأ الله أن يطعمهم؛ فلا قدرة لنا على إطعامهم! فانقلب هذا الاحتجاج عليهم: إذا احتججتم بالمشيئة الإلهية المطلقة التي لا تعارض؛ فكيف أقدمتم على معارضة مشيئته بالامتناع عما كلفكم به من إطعامهم؟ فهل هذا إلا التناقض المبين، وهو عين الضلال المبين؟ (١).

وذهب الإمام الرازي إلى أن المقصود من قولهم: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ أحد احتمالين ..

أحدهما: أن يكون إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم؛ كان يطعمهم .. فلا نقدر على إطعامهم؛ لأنه حينئذ من تحصيل الحاصل. وإن شاء عدم إطعامهم؛ فلا يقدر أحد على إطعامهم؛ فإطعامهم- المأمور به- غير مقدور لهم على كلّ من الفرضين .. فكيف يؤمرون بما لا تتسع له قدرتهم؟


(١) انظر: الموافقات وحاشية الشيخ دراز، ٣/ ٣٥٧.

<<  <   >  >>