للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعبد من ربه بين أمرين:

أ- بين أمر حكم الله عليه به مثل: العز والذل، والغنى والفقر، والحب والكره، فاقتضى له الوفاء بأن يطمئن إلى حكمه كما اطمأن إليه فيرضى بما حكم، فإن جزع: حوسب، وإن رضى: أكرم وأثيب على وفائه.

ب- وبين أمر أمره أن يفعله مثل الفرائض، واجتناب المحارم، فإذا وفى بهذا فهو مسلم، لأنه قد سلم نفسه إليه عند كل أمر ونهى، وما ضيع منه فالحساب لازم، وهو موقوف بين عفو أو عقوبة. (١)

وهذه الوجوه التي ذكرها أصحاب الوجوه والنظائر بالنسبة لمعاني الإسلام أرجعها الحكيم الترمذي إلى وجه واحد، وهو التسليم أي تسليم المؤمن نفسه إلى ربه عبودة.

والواقع أن الحكيم الترمذيّ في مذهبه الذي ذهب إليه ضيّق واسعا وحاول أن يحبس البحر المتلاطم من المعاني القرآنية في قمقم سليمان فالألفاظ محدودة، والمعاني غير متناهية، لأنها تتطّور باستمرار وتتلون بلون البيئة التي تعيش فيها.

وقد بينت فيما سبق أن هناك كلمات قرآنية خرجت عن وضعها اللغوي الذي وضع لها في العصر الجاهليّ، وحوّلها القرآن الكريم إلى معاني مستقلة عن معناها اللغوي الذي وضع لها.

وكما خالفه أصحاب الوجوه والنظائر قديما خالفه أصحاب اللغة المحدثون.

فمن البدهي أن اللفظ في أول وضعه كان يدل على معنى واحد ثم


(١) تحصيل النظائر: ١٢٢، ١٢٣.

<<  <   >  >>