للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تولّد من هذا المعنى الواحد عدّة معان، وهذا التوالد هو ما نسميه تطوّر المعنى:

«وهذا التطوّر يسير ببطء وتدرج، فتغير مدلول الكلمة مثلا لا يتمّ بشكل فجائي سريع، بل يستغرق وقتا طويلا، ويحدث عادة في صورة تدريجية، فينتقل إلى معنى آخر قريب منه، وهذا إلى ثالث متصل به وهكذا دواليك حتى تصل الكلمة أحيانا إلى معنى بعيد كل البعد عن معناها الأول» (١) هذه ناحية.

وناحية أخرى تتضّح في مذهب الحكيم الترمذي وهي ظاهرة التكلف في كل الكلمات التي تناولها، فنحن لا نستطيع أن نعرف المعنى الأول الذي وضع للكلمة معرفة دقيقة، فقد يكون المعنى الأول هو المعنى المتطور عن المعنى الثاني، وهكذا، ثم إن الألفاظ يختلف بعضها من قبيلة إلى قبيلة ومن عصر إلى عصر.

وناحية ثالثة: لو سرنا على مذهبه لتوقفت اللغة من قديم، وتحجّرت وأصبحت أثرا بعد عين، وتتحول إلى كائن ميت، وليس بكائن حي وهذا يخالف الواقع، فاللّغة ظاهرة اجتماعية عاشت في كل عصورها مرفوعة الرأس مهيبة الجانب، لأنها حيّة في تطوّر ألفاظها ونموّ معانيها، وإشعاع دلالتها مما جعلها لغة الخلود.

على أية حال كانت، فنحن وإن كنا على خلاف مع الحكيم الترمذي في مذهبه أو رأيه إلّا أننا نرى أنها لفتة علميّة انفرد بها في ميدان الوجوه والنظائر، ولم يسبقه أحد إليها من قبل، ولم يحاول أن يقلده فيها أحد من بعد.


(١) انظر: علم اللغة للدكتور علي عبد الواحد وافي: ٣١٤.

<<  <   >  >>