للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحتمل وجوها كثيرة فخوفا من تسرب ما لم يثبت قرآنا، عني الصحابة رضي الله عنهم والتابعون، ومن بعدهم بضبط روايات القرآن الكريم، واشتهر طائفة من نقلة هذه الروايات بالضبط والإتقان، وعرفوا بها، واشتهروا بنقلها، فنشأ مفهوم القراءات القرآنية أو علم القراءات.

وأما إذا أرادوا بقولهم السابق: أن رسم المصحف كان بحرف قريش فقط، وأن رسمه يحتمل ما ثبت في العرضة الأخيرة، فهو رأي فيه وجاهة لولا أنه يشكل عليه ما ورد في صحيح الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك قال: «فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش؛ فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا» (١)، فالأثر السابق يستفاد منه الأمور التالية:

الأمر الأول: أن غالب القرآن نزل بلسان قريش، لقول عثمان رضي الله عنه:

«فإن القرآن نزل بلسانهم»، أي: أن غالب القرآن نزل بلسان قريش؛ بدليل قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر: ٢٨]، وقوله تعالى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: ١٩٥]، فالآيتان الكريمتان تدلان على أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب جميعا؛ وإن كان غالبه نزل بلغة قريش.

قال أبو شامة: «ومعنى قول عثمان رضي الله عنه «إن القرآن أنزل بلسان قريش»، أي: معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم، أو المراد: نزل في الابتداء بلسانهم، ثم أبيح بعد ذلك أن يقرأ بسبعة أحرف» (٢).

الأمر الثاني: أن الأثر السابق يدل صراحة على أن رسم المصحف رسم بلغة قريش، وغيرها بدليل قول عثمان رضي الله عنه: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في


(١) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، (٩: ٨ - ٩).
(٢) أبو شامة، المرشد الوجيز، ص ٦٩، وانظر: خالد السبت، مناهل العرفان، للزرقاني، دراسة وتقويم.

<<  <   >  >>