وهو يتحدث عن قتل الملك ياهو لإيزابل وقد جاءت تطلب منه الأمان، فما كان منه إلا أن "رفع وجهه نحو الكوّة وقال: من معي؟ من؟ فأشرف عليه اثنان أو ثلاثة من الخصيان"(الملوك (٢) ٩/ ٣٢)، فالكاتب المجهول لسفر الملوك الذي أُلهم كتابة القصة متشكك في عدد الخصيان الذين أجابوا الملك، ولفرط أمانته ذكر تحيره وتشككه في عددهم، فهم إما "اثنان أو ثلاثة"، أراد أن يثبت للقارئ نزاهته وأمانته ودقته، وأن يبرهن له أيضاً أنه يكتب بحسب معلوماته ومصادره؛ لا بوحي الله الذي لا تغيب عنه غائبة.
[قصور الأسفار في القضايا الدينية]
ويبحث الباحثون عن ذكر يوم القيامة والجنة والنار والبعث والنشور في أسفار التوراة الخمسة فلا يجدون نصاً صريحاً واحداً، وأقرب نص في الدلالة على يوم القيامة ما جاء في سفر التثنية "أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني، لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم "(التثنية ٣٢/ ٣٤ - ٣٥)، وهو - كما ترى - محتمل الدلالة، غير مصرح بها، ولو أمعنت فيما قبله وبعده لرأيت أنه يتحدث عن يوم أرضي يعاقبهم الله فيه.
كما لا تجد في التوراة - على ما فيها من إطناب في أمور لا أهمية لها- وصفاً لكيفية الصلاة يأمر به الرب، كما لا يرد فيها اسمه الأعظم إلا نادراً، " فيعرفون أن اسمي: يهوه "(إرميا ١٦/ ٢١)، فالكتاب يذكر الله باسم: السيد، الرب، الإله. ويغفل اسمه الأعظم!
والعجب أن التوراة تزعم أن هذا الاسم لم يعرفه أنبياء الله من قبل موسى " وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء، وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم "(الخروج ٦/ ٣). (١)
(١) وهذا غير صحيح، فقد عرف إبراهيم هذا الاسم من أسماء الله، فسمى المكان الذي أراد أن يقدم فيه ابنه "يهوه يرأه" (التكوين ٢٢/ ١٤)، ومعناها: (الرب يرى).