(٢) اعلم أن النذر نذران: نذر مستحب ونذر فيه تفصيل: فالنذر المستحب هو نذرُ الابتداء والتبرّر (أي ينذر المسلم فعل طاعة لله من غير تعليق الفعل بأمر يتم له أو لغيره) وهذا النوع هو المقصود - والله أعلم - بقوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان: ٧] ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (١١ / ٥٧٩) : وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى: يوفون بالنذر. . . قال: " كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا " وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة " انتهى كلامه رحمه الله. وأما النذر الثاني وهو نذر المجازاة أو المعاوضة (أي ينذر المسلم فعل طاعة ويعلق فعله بحصول ذلك الغرض وتمامه، كقوله إن شفي مريضي أو جاءني كذا فلله عليّ كذا. . .) فجاء فيه ما ذكر المؤلف من النهي ومن ذلك " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئا ولكنه يستخرج به من البخيل " رواه البخاري (١١ / ٥٧٦ فتح) . عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر وإنما يستخرج بالنذر من البخيل " رواه البخاري (١١ / ٥٧٥ فتح) . وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة وبيّن أن البخيل لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض يزيد على ما أخرج غالبا، فكذا الناذر علق نذره على تحقق غرضه، وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل: يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليه الإشارة بقوله في الحديث " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح - بل صرح الحافظ ابن حجر بأنها تقرب من الكفر أيضا - وقال القرطبي: " الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ". واستحسن هذا التفصيل الحافظ في " الفتح " بعد نقله كلام القرطبي فقال: وراجعه للبسط في المسألة فمنه استفدنا فإنه نفيس. فتح الباري (١١ / ٥٧٨) وانظر " النهاية في غريب الحديث " (٥ / ٣٩) .