(٢) لأنهم يثبتون لله ما جاء في كتابه وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء وصفات إثباتا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى مع نفي المماثلة والمشابهة بين الخالق - تبارك وتعالى - والمخلوق خلافا للجهمية الذين عطلوا الصفات ونفوها عن الرب، وخلافا للمشبهة الذين أثبتوا الصفات مع الغلو حتى قالوا بالتجسيم - تعالى الله عن رأي الفريقين -. والجهمية: أتباع جهم بن صفوان المبتدع (انظر التعليق الماضي رقم (١) بحاشية ص ٤٥. وأول مَنْ قال بالتجسيم مقاتل بن سليمان الخراساني المفسر - كذبه غير واحد من الحفاظ - قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -: " أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء وأفرط مقاتل - يعني في الإثبات - حتى جعله مثل خلقه " انظر " ميزان الاعتدال " (٤ / ١٧٣) . (٣) قلت: وفيما يتعلق بالأفعال فأهل السنة وسط بين الجبرية والقدرية وليس بين الحرورية والقدرية لعل " الحرورية " تصحيف من الناسخ أو سبق قلم من المؤلف والعبارة مقتبسة من الواسطية وفيها ما رجحته. والله أعلم. وأهل السّنة والجماعة يثبتون أن العباد فاعلون حقيقة لا مجازا وأن الله خالقهم وخالق أفعالهم، ويثبتون للعبد الاختيار والمشيئة وهما تابعان لمشيئة الله تعالى كما سيأتي في فصل خاص للمؤلف إن شاء الله. وأما الجبرية فيقولون: إن العبد مجبور على فعله وحركاته وأفعاله كحركة المرتعش والعروق النابضة وإضافتها إلى الخلق مجاز والله هو الفاعل حقيقة وليس للعبد قدرة ولا إرادة، وعلى نقيضهم القدرية يقولون إن أفعال العباد ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدرته كما سيأتي أيضا، فلهذا كان أهل السنّة وسطا بين الفريقين فما قالوا بالجبر وما كذبوا بالقدر. القدرية: أتباع جهم بن صفوان - وسبق بيان حاله في التعليق رقم (١) بحاشية ص ٤٥ - وانظر " لوامع الأنوار " (١ / ٩٠) والقدرية: سموا بذلك لتكذيبهم بالقدر وأول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني، كما روى مسلم في صحيحه (٨) . ومعبد صدوق في نفسه مبتدع كما في " التقريب " (١ / ٢٦٢) و " الميزان " (٤ / ١٤١) . وقال الأوزاعي: " وأول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأخذ منه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد " رواه الآجري في " الشريعة " (ص ٢٤٣) واللالكائي في " شرح الاعتقاد " (١٣٩٨) . وغيلان هو ابن أبي غيلان المقتول في القدر ضال مسكين كما في الميزان (٣ / ٣٣٨) . (٤) لأن أهل السنّة يعتقدون أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن أتى كبيرة يسمى مؤمنا فاسقا بكبيرته وفي الآخرة تحت مشيئة ربه إن شاء غفر له وأدخله الجنة لأول مرة وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ومآله إلى الجنة. خلافا للخوارج والمعتزلة حيث يرون أن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد ولكن لا يزيد ولا ينقص، ومن أتى كبيرة كفر عند الحرورية (الخوارج) وصار فاسقا عند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر وفي الآخرة فهو خالد مخلد في النار لا يخرج بشفاعة ولا بغير شفاعة عندهما وخلافا للمرجئة الذين يقولون: " إن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان " فلم يدخلوا العمل بالأركان في مسمى الإيمان فقالوا، لا يضر مع الإيمان معصية، وإيمان أفسق الناس كإيمان أتقاهم وأكملهم (انظر شرح الطحاوية ص ٣٧٣ فما بعدها " و " الكواشف الجلية عن معاني الواسطية " (ص ٥٠٣) . والمعتزلة: أتباع عمرو بن عبيد - ضعفه غير واحد وتركه بعضهم - انظر الميزان (٣ / ٢٧٤) وواصل بن عطاء - من غلاة المعتزلة - الميزان (٤ / ٣٢٩) وسموا بالمعتزلة لأنهم اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري - رحمه الله - في أوائل المائة الثانية وكانوا يجلسون معتزلين فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة. انظر " شرح الطحاوية " (ص ٥٨٨) و " لوامع الأنوار البهية " (١ / ٧٢) . والمرجئة: سُمُّوا بذلك لأنهم أخّروا العمل عن الإيمان كما في " الفرق بين الفرق " (ص ١٩) وأول من قال بالإرجاء غيلان بن أبي غيلان كما في " الملل والنحل " (١ / ١٣٩) ، وغيلان قال فيه الذهبي في " الميزان " (٣ / ٣٣) : ". . . المقتول في القدر ضال مسكين ". والمرجئة ثلاثة أصناف كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأول: الذين يقولون الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة. الثاني: من يقول هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكلامية. الثالث: تصديق القلب وقول اللسان وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم. انظر " لوامع الأنوار " (١ / ٤٢٢) . (٥) لأن أهل السنّة يحبون جميع الصحابة ويعرفون لكل حقّه وفضله وهم أكمل الأمة إسلاما وإيمانا وعلما وعملا، وقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. . . (الفتح: ٢٩) وأما الرافضة فقد غلوا في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغلوا في أهل البيت ونصبوا العداء لجماهير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفروهم ومن والاهم. والخوارج كفروا عليا وعثمان ومن والاهما، فأهل السنّة وسط بين الفريقين ولله الحمد والمِنّة. انظر " الكواشف الجلية " (ص ٥٠٥ - ٥٠٧) . قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في " عقيدته " (ص ٥٢٨ شرحها) : " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وعصيان ". والرافضة سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن علي حينما قالوا له يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فقال: معاذ الله نتولاهما ونبرأ ممن تبرأ منهما. وأول من قال بالرفض وغلا في علي - رضي الله عنه - حتى زعم أنه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله عبد الله بن سبأ - كان يهوديا فأسلم لإفساد الدين في عهد عثمان رضي الله عنه - انظر " الفرق بين الفرق " (ص ٢٣٥) " والملل والنحل " (١ / ١٧٤) . والخوارج سموا بذلك لخروجهم على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وعدم قبولهم التحكيم انظر " الملل والنحل " (١ / ١١٤) و " لوامع الأنوار البهية " (١ / ٨٦) .