للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في السماء إلا الله خالقه، سبحانه لا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسوله، ونهاهم عن معصيته، ومعصية رسوله، وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.

[القدرية مجوس الأمة تحقيق ذلك]

والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، وهذه الدرجة من القَدَر، يكذب بها عامة القدرية، الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: «مجوس هذه الأمة» (١) يغلو فيها قوم (٢) من أهل الإثبات، حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه، وحكمها ومصالحها. فالقدر ظاهره وباطنه، ومحبوبه ومكروهه،


(١) روى أبو داود في " سننه " (٤١٩١) عن ابن عمر مرفوعا " القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم ".
قلت: " رجاله كلهم ثقات احتج بهم الجماعة غير أن عبد العزيز بن أبي خازم وثقه النسائي وابن معين والعجلي وقال أبو حاتم: صالح الحديث لم يكن بالمدينة أفقه منه، وقال أحمد: لم يكن يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه فإنهم يقولون أنه سمعها، ويقال إن كتب سليمان بن بلال وقعت إليه ولم يسمعها، وقال ابن أبي خثيمة عن مصعب الزبيري: كان قد سمع من سليمان فلما مات سليمان أوصى إليه بكتبه " هدي الساري (ص ٤٢٠) وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".
والحديث رواه الحاكم أيضا (١ / ٥٨) من طريق أبي داود، لكن سَلمة بن دينار (أبو حازم) لم يسمع من ابن عمر كما في " التهذيب " فهو منقطع. والأحاديث عن ابن عمر يقوي بعضها بعضا كما في تخريج السنَّة لابن أبي عاصم (٣٢٨ و ٣٢٩) وانظر أصول الاعتقاد للالكائي (١١٥٠ فما بعدها) وتخريج الطحاوية (ص ٢٤٢) .
(٢) وهم الجبرية. انظر الرد عليهم وعلى القدرية في " لوامع الأنوار " (١ / ٢٩١ فما بعدها) .

<<  <   >  >>