للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

فصل ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خمٍّ: «أُذكِّرُكُم الله في أهل بيتي مرتين» (١) وقال للعباس عمه، حين اشتكى أن بعض قريش لا يلقونه بوجه طلق «والذي نفسي


(١) غَدِير خُمِّ ماء بين مكة والمدينة على ثلاثة أميال بالجُحْفة كما في " معجم البلدان " (٢ / ٣٨٩) . والحديث في صحيحِ مسلم (٢٤٠٨) عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يُدْعى خُما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه وَوَعظ وذكّر ثم قال: " أمّا بعد ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسولُ ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحثَّ على كتاب الله ورغّبَ فيه. ثم قال: " وأهل بيتي. أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي. أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي. أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي ".

فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص ٢٩٣) : " زاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي - رضي الله عنه - بالخلافة بالنص الجليِّ بعد أن فرش له وأقعده على فرش عالية وذكروا كلاما باطلا وعملا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤوا على كتمان هذا النص وغصبوا الوصيّ حقه وفسّقوا وكفّروا إلا نفرا قليلا. والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ثم ما كان عليه القوم من الأمانة والديانة وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا يمتنع كتمانه ".
وقال ابن جرير الطبري " معجم الأدباء " (١٨ / ٨٥) :
ثم مررنا بغدير خُمٍّ ... كم قال فيه بزورٍ جمٍّ
عن عليٍّ والنبي الأمِّي

فائدة ثانية: قال أبو جحيفة - رضي الله عنه -: " سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ وقال مرة: ليس عند الناس فقال: والذي فلق الحبّةَ وبَرَأَ النّسمة ما عندنا إلا ما في القرآن - إلا فهما يُعطى رجل في كتابه - وما في الصحيفة. قلت: وما الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ". رواه البخاري (١٢ / ٢٤٦) . ولقد سأل قيس بن عباد والأشتر النخعي عليا أيضا عن هذا كما في " سنن النسائي " (٨ / ١٩ - ٢٠) وأبي داود (٤٥٣٠) وغيرهما.
وقال الحافظ في " الفتح " (١ / ٢٠٤) : " وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت - لا سيما عليا - أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها " وروى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب - كما قال الحافظ - قال: " شهدت عليا على المنبر وهو يقول: والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة ".
فائدة ثالثة: المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنّة، قال الطحاوي - رحمه الله تعالى -: " العترة: هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره " انظر السلسلة الصحيحة (٤ / ٣٦٠) .
وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن وأهل البيت ثقليْن لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل) ، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما " قاله ابن الأثير كما في " السلسلة " وقال العلامة الألباني: " والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنّة الخلفاء الراشدين مع سنّته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين. . . " ثم نقل عن علي القاري قوله: " فإنهم لم يعملوا إلا بسنّته، فالإضافة إليهم إما لعلمهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ". راجع السلسلة الصحيحة (٤ / ٣٦٠ - ٣٦١) .

<<  <   >  >>