للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

[ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار]

وأما ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها، فروى أبو بَصْرَة الغِفَاريّ (١) قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥].

ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث (٢) الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض.

وجعلها الله تعالى متوسطة الدنيا، وهي في الإِقليم الثالث والرابع (٣)، فسلمت من حر الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس والسابع، فطاب هواؤها، ونقي جوها وضعف حرها، وخف بردها، وسلم أهلها من مشاتي الجبال، ومصائف عمان، وصواعق تهامة، ودماميل (٤) الجزيرة، وجرب (٥) اليمن، وطواعين الشام، وغِيَلان (٦) العراق، وعقارب عسكر مُكْرَم (٧)، وطلب البحرين، وحمى خيبر، وأمنوا من غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكائد الديلم (٨)، وسرايا القرامطة،


= أحمد بن طولون، كما مدح أحمد بن المدبر صاحب خراج مصر، توفى سنة ٢٥٨ هـ (المغرب في حلى المغرب - الجزء الخاص بمصر ص ٢٧٠).
(١) صحابى، شهد فتح مصر واختط بها، ومات بها، ودفن في مقبرتها (الإصابة ٧/ ٤٣).
(٢) في: أ "فأعان".
(٣) انظر ياقوت ٥/ ١٣٧.
(٤) الدُّمَّل: التهاب محدود في الجلد والنُّسُج التي تحته مصحوب بتقيح ويجمع على دَمَاميل (المعجم الوسيط: دمل).
(٥) في نهاية الأرب للنويرى ١/ ٣٧١ وهو يسرد خصائص البلاد في الأمراض "وعَرَق اليمن".
(٦) الغُول: كل ما أخذَ الإنسانَ من حيث لا يدرى فأهلكه - والجمع أغوَال وغِيلان - ومفرد الغيلان، تزعم العرب أنه نوع من الشياطين يَظهر للناس في الفلاة، فيتلون لهم في صور شتى ويَغُولهم، أي يُضللهم ويُهلكهم (المعجم الوسيط: غول).
(٧) بلد بخوزستان.
(٨) بلاد الديلم تقع في الجنوب الغربي لبحر قزوين، وهى جبال منيعة يتحصنون بها، ولذا فإن الحصانة الطبيعية لهذه البلاد ضمنت لها عدم خضوعها خضوعا مباشرا للفرس. وجيل الديلم مشهورون بالقسوة وغلظ الطبع. وقد اتسم تاريخ الديلم بالعداء للدولة الإسلامية منذ عهودها المبكرة، وقد ظلت هذه الصفة هي الطابع العام لسياستهم تجاه الدولة الإسلامية =