على غير مثل لها، ولا آثار أثرت، بل هم أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقوته ولا يبالي، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة، وبفعله فيصير حجة، ويحسن ما شاء فيحسن، ويقبح ما شاء فيقبح، أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حباء الله فيهم وحباؤهم في أنفسهم، حتى رفع لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر، على الخير فيهم ولهم فقال:(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم. ودفع الحق باللسان أكبت للجنان. انتهى كلام ابن المقفع، وناهيك بالمذكور أدبًا وفصاحة. وله بلاغة وردها من حياض العرب، فشربها بين أقرانه بأكف الأدب.
وجاءت فيهم آثار نبوية، وفي القرآن من صفات العرب ما لا يكون لغيرهم، فقد وصفهم بالكرم العظيم، والصبر الكامل، وذكر عنهم من الخصال ما لم يذكر مثله، أو قريب منه لباقي الأمم ... وحسبك أنه اختارهم محطا لرحال دينه وحماة لشريعته، وأنصارًا لأوامره، وحفظه لنبيه وجوارًا وأهلًا