بقي أمر مهم، أن الشارح -تبعًا لأبي داود- حملوا الوضوء في الحديث على المعنى اللغوي، وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة، والظاهر كما قال الولي العراقي حمله على الشرعي المعهود، فأراد عمر أن يتوضأ عقب الحدث، فتركه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تخفيفًا وبيانًا للجواز، كذا في "الفيض" (٥/ ٥٤٤). ونقل ابن رسلان الرملي في "صفوة الزبد" (ق ٢٥/ ب) كلام النووي: "ومعناه لو واظبت ... " إلى هنا، وقال على إثره: "قال ابن السمعاني: وهو الأشبه بمذهب الشافعي، وأنه الصحيح، لكنه لم يتكلّم إلا فيما ظهر فيه قصد القُربة، كما في هذا الحديث، ومال غيره إلى الوجوب مطلقًا". (١) مثل: جواز القرب من قاضي الحاجة، وخدمة الأكمل بإحضار ماء للطهر ونحوه، وإن كان الخادم كاملاً، وأنه لا يعدّ خللاً في منصبه، بل شرفًا، وأنه لا يجب الوضوء بنفس الحدث فورًا، بل بإرادة القيام إلى نحو الصلاة، ووجوب الاقتداء بأفعاله كأقواله. وأن حكم الفعل في حقنا كهو في حقه: إنْ واجبًا فواجب، وإنْ مندوبًا فمندوب، وإنْ مباحًا فمباح. وأن له الاجتهاد فيما لم ينزل عليه وحي، فإنه قال: "ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ، ولو فعلت كانت سنة" أي: مع كوني ما أمرت بذلك، ولو فعلته صار شرعًا. وأن الأمر للوجوب، فإنه علَّل عدم استعمال الماء بكونه لم يؤمر به، فدلَّ على أنه لو أمر به؛ لفعله، والأصل حل طهارة الآنية، وحل استعمالها، والعمل بالعادة الغالبة. وقيل: وإنه لا بأس بالاستعانة في إحضار الماء للطهارة وهو زلل؛ إذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطلب من عمر إحضار الماء، بل ردّه.