وأجاب ابن دقيق العيد بأن ابن منده جرى على ما اشتهر عن أهل الحديث، أنه من لا يروي عنه إلا راوٍ واحدٌ فهو مجهول، ولعل من صححه اعتمد على كون مالك رواه وأخرجه مع ما عُلم من تشدده وتحرزه في الرجال. قرأت بخط الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر وروايته في "سؤالات أبي زرعة"؛ قال: سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول: مالك إذا روى عن رجل لم يُعرف؛ فهو حجة. وروى طاهر بن خالد بن نزار عن أبيه، عن سفيان بن عيينة؛ أنه ذكر مالك بن أنس، فقال: كان لا يبلغ من الحديث إلا صحيحًا، ولا يحدث إلا عن ثقات الناس، وما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موت مالك بن أنس، وهذا اللفظ الذي لسفيان أعم من كلام أحمد الذي قبله، مع احتمال كلام أحمد لموافقته. وذكر بشر بن عمر الزهراني؛ قال: سكت مالك بن أنس عن رجل، فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقةً لرأيته في كتبي، وهذا يُفهم منه أن كل من في كتبه ثقة، وإن كان قد شغَّب في هذا بعض المتأخرين؛ لأنه لا يلزم من كون كل ثقة في كتابه أن يكون كل من في كتابه ثقة، إلا أن هذا يبطل فائدة هذا الكلام بالنسبة إلى السائل؛ لأنه لو كان في كتابه غير ثقة لم يدل وجوده في كتابه على أنه ثقة، وكلام مالك يدل على أنه أحاله في الثقة على وجوده في كتابه، وبالجملة؛ فإن سلكت هذا الطريق في تصحيح هذا الحديث (أعني: الاعتماد على تخريج مالك له)، فالقول ما قال ابن منده، وقد ترك الشيخان إخراجه في "صحيحيهما" اهـ. ونقل ابن الملقن كلام ابن منده ثم رد عليه باختصار؛ فقال في "خلاصة البدر المنير" (١/ ٢٠): "والعجب من الشيخ تقي الدين! كيف تابعه في "الإمام" على هذه المقولة! ". ورده بتفصيل طويل؛ فقال في "البدر المنير" (٢/ ٣٤٢ - ٣٤٦) عقبه: "وقال شيخنا الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري: "بقي على ابن منده أن يقول: ولم يُعرف حالهما من جارح؛ فكثير من رواة الأحاديث مقبولون". =