وممن نحى منحى التفصيل والتقعيد، والوقوف على منشأ خطأ فهم عبارة أبي داود الحافظ البقاعي -رحمه الله تعالى- (تلميذ ابن حجر). قال رحمه الله تعالى في كتابه "النكت الوفية" (ق ٧٢/ ب-٧٣/ أ) ما نصّه: " ... فليس بمسلم أن كل ما سكت عليه أبو داود يكون حسنًا؛ بل هو وهم أتى من جهة أن أبا داود يريد بقوله "صالح" صلاحيّة الاحتجاج. ومن فهم أن "أصح" في قوله: "وبعضها أصح من بعض" تقتضي اشتراكًا في الصحة، وكذا قوله: "أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" وليس الأمر في ذلك كذلك، أما من جهة قوله: "صالح" فلأنه كما يحتمل أن يريد صلاحيته للاحتجاج، فكذا يحتمل أن يريد صلاحيته للاعتبار، فإن أبا داود قال في الرسالة التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: "ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بيَّنته، وما لا، فصالح، وبعضها أصح من بعض". ثم قال -رحمه الله تعالى-: "واشتمل هذا الكلام على خمسة أنواع: الأول: الصحيح، ويجوز أن يريد به الصحيح لذاته. الثاني: شبهه ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره. الثالث: مقاربه ويحتمل أن يريد أبو الحسن لذاته. والرابع: الذي فيه وهن شديد. وقوله: "وما لا" يفهم منه: أن الذي فيه وهن ليس بشديد فهو قسم خامس، فإن لم يعتضد كان صالحًا للاعتبار فقط، وإن اعتضد صار حسنًا لغيره، أي الهيئة المجموعة وصلح للاحتجاج وكان قسمًا سادسًا. وعلى تقدير تسليم أن مراده صالح للاحتجاج لا يستلزم الحكم بتحسين ما سكت عليه، فإنه يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره ... اقتداء بأحمد -رضي الله عنه- اهـ. وممَّن حرر المسألة وفصلها السخاوي في "فتح المغيث" (١/ ٧٨ - ٧٩) ونسوق كلامه بطوله، وقد جمع فيه الأقوال السابقة ونقحها وهذبها وحررها، فقال: =