قال الخوارزمي من روى حوليات زهير واعتذارات النابغة وأهاجي الحطيئة وهاشميات الكميت وقلائص جرير وخمريات أبي نواس وتشبيهات ابن المعتز وزهريات أبي العتاهية ومراثي أبي تمام ومدايح البحتري وروضيات الصنوبري ولطائف كشاجم ولم يخرج إلى الشعر فلا شب الله قرنه.
وإذا نثرت منظوما فغير قوافي شعره عن قرائن سجعه وإذا سرقت معنى فغير الوزن والقافية ليخفي ذلك وإذا أخذت شعراً فزد على معناه وانقص من لفظه واحترز مما يطعن به عليك فحينئذ تكون أحق من قائله وأن لا يكاتب العامة بكلام الخاصة ولا بالعكس وأكثر من حفظ النظم والثر فعلي قدر مل يحفظ منه يقوي فيه وأعلم أن الشعر يسخي البخيل ويشجع الجبان ويفرج الهموم ويرضي الغضبان وكذلك قالوا الشعر يعد من السحر وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا" وقال الشافعي في كتاب الأم: والشعر كلام كالكلام فحسنه كحسنة وقبيحة كقبيحة وفضله على سائر الكلام أنه سائر في الناس يبقى على الزمان فينظر فيه وإن كان حسنا كان كغيره من الكلام الحسن. انتهى.
وقال الشيخ برهان الدين القيراطي في خطبة ديوانه ويكفي من تفضيله أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد بعض الصحابة من شعر أمية فأنشده مائة قافية، وكانت الصديقة تحفظ للبيد ألف بيت وافية، وكان الشعبي يقول لو شئت أن أملي عليكم من إنشادي شهراً لا أعيد بيتا لفعلت، وكان الأصمعي يحفظ أثني عشر ألف أرجوزة، وما زال السلف يحفظون الشعر قديماً ويتخذونه في الخلوات نديما وينشدونه في مواطن المؤانسة ويوردون دقائقه في ساعات المجالسة، ولو أوردنا ما ورد في فضله من الآثار المسندة والأخبار الممهدة لوقف الناظر منها على حجج قوية ومحجة ضوية، ولقد كان جماعة من العلماء الراسخين والأئمة الورعين لهم في صناعة الشعر الغاية وانتهوا في الإجادة فيه إلى النهاية يعرف ذلك من وقف على تراجمهم وأحصاها وطالع أخبارهم واستقصاها.
وحديث "احثوا في وجوه المداحين التراب" فالمراد به الغلو والإطراء واستقباح المدح المفرط كلاماً وشعراً ونظماً ونثراً ولا يختص ذلك بالشعر وحده لما يخشى من افتتان سامعه عنده.
وقال أبو بكر الهذلي: قال لي الشعبي أتحب الشعر قلت نعم إنما تحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم ثم إن الناظمين لأرواح الآلية أفراد والظافرين بفرائده ذوو انفراد والسالكين للمناهج الفاصلية أضمرتهم البلاد والمقتفين لمنار السراج والمتحليين بحيلة الجمال قلت منهم الأعداد والمؤلفين لعقودها المتواتر مدحها أجادوا بما أذعانه إغماد وجهال ما لهم بالأشعار إشعار راموا الوصول إلى معانيه اللطيفة بطباع كثيفة وحاولوا أسبابه الخفيفة بنفوس ثقيلة وأسبابه الثقيلة بعقول خفيفة لا يظفر أحد منهم بأبيات أوتاده وإن كان في عتوه ذو الأوتاد ولا يتجملون من ملابسه بما يسترهم وإن تعصبوا أو نقبوا في البلاد ولا يجيبون من ألفاظهم اليابسة إلا بما يقال لهم إذا قطعوه جابوا الصخر بالواد فيقال لمجيدهم إذا أتى بلفظ وزنه وأخلاه من المعاني الحسنة إذا كنت لا تدري سوى الوزن وحده فقل أنا وزان وما أنا شاعر ثم إن منهم من يظفر بمعنى ولكن يقلبه تركيبا ويركبه مقلوبا ويأتي بجمل غير مفيدة وقد قلت في ذلك من قصيدة:
وشاعر بالمعاني لا شعور له ... مركب الجهل يبدي سوء تركيب
موكل بمعانيه يحرسها ... فما يركب معنى غير مقلوب
فما أولاه يركب على نفسه مقلوبا ويضرب بأذنه على سوء الأدب تأديبا. انتهى كلام القاضي برهان الدين.
وقال الشيخ والإمام العالم المفنن النحوي العروضي القاضي زين الدين عمر بن الوردي في خطبة الكلام على مائة غلام ولعمري ما أنصفني من سابي الظن أو قال عني كيف رضي مع درجة العلم والفتوى بهذا الفن فالصحابة كانوا ينظمون وينثرون ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون.