[الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول]
كنية الخوان أبو جامع لاجتماع الناس حوله قال الحريري في درة الغواص ويقولون لما يتخذ لتقديم الطعام عليه مائدة والصحيح أن يقال خوان إلى أن يحضر الطعام عليه يسمى حينئذ مائدة يدل على ذلك أن الحوارييم حين سألوا عيسى عليه السلام بأن يستنزل لهم طعاماً من السماء قالوا هل يستطيع ربك أن ينزل مائدة من السماء بينوا معنى اسم المائدة بقولهم نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا قال الصعمي غدوت ذات يوم إلى زيادة صديق لي فاستشرت بعض الأخلاء فقال إن كان لفائدة أو عائدة أو لمائدة وإلا فلا وقد اختلف في تسميتها بذلك فقيل سميت به لأنها تميد بما عليها أي تتحرك مأخوذ من قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم) وقيل بل هي من ماد أي أعطي ومنه قول رؤبة بن العجاج إلى أمير المؤمنين الممتاد أي المستعطي وكأنها تميد من حواليها مما أحضر عليها وقد أجاز بعضهم أنى يقال فيها ميدة واستشهد عليه بقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان ... تصلح للجيران والأخوان
وقال الكواشي في تفسير سورة المائدة ولما سأل الحواريون للمائدة لعيسى عليه السلام لبس صوفا وبكى وقال (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء) الآية: فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين من فوقها وتحتها وهم ينظرون وهي تهوى منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال اللهم أجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ثم قال ليقم أحسنكم عملا فليكشف عنها وليذكر اسم الله تعالى فقال له شمعون أنت أولى بذلك منا فقام عيسى عليه السلام وتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى بكاء كثيراً وكشف المنديل عنها وقال بسم الله خير الرازقين وإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوس ولا شوك بها يسل منها الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة فقال عيسى ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ولكنه شيء افتعله الله بالقدرة الغالبة كلوا مما سألتم يمددكم الله ويرزقكم من فضله فقالوا يا روح الله كن أول من أكل منها فقال معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها فدعا لها أهل الفاقة والمرضى وقال كلوا من رزق الله ولكم الهناء ولغيركم البلاء فأكلوا وصدروا وكانوا ألفا وثلاثمائة ما ببن رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى وإذا سمكة كهيئتها حين نزلت ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت وما أكل منها ضحى فيأكل منها الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء حتى إذا فاء الفئ طارت وهم ينظرون في ظلها وكانت تنزل كناقة صالح في الحلب فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي ورزقي في الفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكى بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين فقال عيسى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك (الآية، فمسخ منهم ثلثمائة وثلاثة وثلاثين رجلاً أصبحوا خنازير فلما رأى الناس ذلك بكوا ورغبوا إلى عيسى فلما أبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف بعيسى وعيسى يدعوهم بأسمائهم يشيرون برءوسهم ويبكى ويبكون وهم لا يقدرون على الكلام ثم هلكوا أجمعين وما أظرف قول ابن حجاج:
يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير لا معنى ولا فائدة
قد جن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة
صلاح الدين خليل الأقفهسى نزيل دمشق المحروسة قال أنشدني الشيخ العارف المحقق المسلك الحكيم برهان الدين إبراهيم الغرى الشهير بابن رفاعة أعاد الله من بركاته من لفظه لنفسه:
لما مرضت أرسلت ... لي صله وعائده
لعمها أني فتى ... أهوى النساء والمائدة
جارية وسكرا ... للأكل والمشاهدة
وقال الشيخ برهان الدين القيراطي:
أميل لأغصان القدود صبابة ... وإن هي زادتني جفا وتباعدا
ويعجبني بين الأنام تطلفى ... عليها إذا شاهدتهن موائدا