(رجع) كان لبعض المغفلين دار فقال له الساكن إن الكنيف قد انفتح فقال له صاحب الدار نظرت إليه من أيام وأردت أن أتغدى به قبل أن يتعشى بي فسبقني، قلت الشيء يذكر بلوازمه نقلت من خط الفاضل المؤرخ الناظم الناثر الرحال صاحب المؤلفات المبدعة نور الدين علي بن سعيد من كتابه الذي سماه بالمغرب في أجلاء المغرب قال في ترجمة أبي العباس أحمد بن القاسم وهو الذي يقول فيه ابن تقي في موشحته المشهورة التي منها أماً ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب فأرنا مثله يا مشرق وجرت له معي حكايات أكرمها حكايته وقد وفد عليه مرة فوجده قد عج عن لارتياح وأقلع عن شرب الراح وكانت له عادة بإحضاره المجلس راحته عندما يصل فخطب ذلك منه فأعلمه بتوبته وتكلف له مجلساً فيه أصحابه ومن يشرب من أقاربه وحضر هو فيه عازماً على المؤانسة دون المشاركة في شراب فقال ابن تقي موشحته المشهورة:
نديماً قد طا ... ب عن له وأنشد
وأردد عليه الكأ ... س عساه يرتد
فارتد عن توبته وشرب كأسه من نوبته وأتى من المطايبة والطرب ما قر به عين الظرف والأدب ولما أخذ السكر من ابن تقي قام المستراح وفي وسطه كيس فيه جملة من الذهب الذي جرت عادة أبي العباس أن يصله به في كل سفرة وما اجتمع له من غيره فحله وحطه في كوة المستراح حتى يقضى شغله ثم فرغ ومضى ونسي الكيس لما كان فيه من السكر ونام فلما اصبح وصحا قلب ليطلب الكيس فلم يجد شيئاً ونظر إليه أبو العباس فقال له ما لك فأخبره فقال أنا أخذته منك البارحة لئلا يضيع منك وإذا احتجت إليه دفعته لك واستفهمه عن عدد ما فيه فأخبره فلما دخل إلى منزله جعل في كيس من عنده ذلك العدد ودفعه إليه وابن تقي لا يشك أنه ذهبه ثم ودعه وانصرف ولما اجتاز عليه في سفرة ثانية حضر في ذلك المجلس ليلة على مثل تلك الحالة فلما سكر قام إلى المستراح ثم تفكر في حالة السكر أنه كان قد حل هناك سراويله ووضع الكيس في الكوة فمد يده إلى الكوة وجد الكيس بعينه فأخذه وجعله في وسطه ثم عاد لشربه والمجلس غاص محتفل بالأعيان فبكى ابن تقي وكدر المجلس فظن أبو العباس أنه جرى عليه ما أوجب ذلك فقال له ما يبكيك هل نابك أمر أكشفه عنك فقال والله ما أبكي إلا حسرة على العالم أنه لا يخلد مثلك فيه وحكى الحكاية فقال أبو العباس ما كان يسعني في ذلك الوقت إلا ما فعلته لأني خفت أن يكون ضاع لك فتتهم به أحد ندمائي ويشيع ذلك ولابد من غرمه لك لئلا تنصرف خائباً فكان الأولى غرمه دون أن يفتضح أحد من أصحابنا فقبل الأرض ودعى لي وهذه إحدى مكارمه جدد الله عليه الرحمة وجازاه بما هو أهله في جنة الفردوس من النعمة آمين آمين.
سألني بعض المخاديم أن انظم له أبياتاً تكتب على الخريشت الذي جدده بعد حريقه وانهدامه في الواقعة المشهورة الخواجا بدر الدين محمد بن الخواجا شمس الدين محمد اتبن المزلق أدام الله سعدهما بباب البريد بالجامع الأموي وكان والده قد بيضه:
يا بقعة لقضا الحوايج أسست ... لازال سعدك دائماً يتزيد
لمحتك من بدر وشمس نظرة ... فغدا قراناً سعده لك يرصد
جددت فعل الخير يا بن مزلق ... لازال فعل الخير منك يجدد
عشرون بيتاً قد قصدت رويها ... يا خير من يروي ومن يتقصد
كانت مسودة وقد بيضتها ... فالماء للأبيات منها ينشد
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد