للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفا بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفا بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي: ولو علمت فرق الوزارة رتبة ... تنال بمجد في الحياة لنالها

اذكر فلانا الذي اسهلته سحرا ... إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا

ولآخر مفرد:

حكيم لطيف من لطافة وصفه ... يودُّ المعافى السقم حتى يعوده

كتب المرحوم الوزير فخر الدين بن مكانس إلى ابن صفير في بعض مرضاته يسرع المولى عند الوقوف إليه نقل الخطوة ولا يتأخر فإن القوة على الضعيف ضعف في القوة فجاءني على عادته:

تغدو المنايا فما تنفك واقفة ... حتى تراه على عزم فتتبعه

فحين رآني من الهريرة كالرعديد وشاهد ما بي من البرد قال ما أراك إلا جليدا فقلت له معالجة أم محاججة ومناصحة أم ممازجة ومطايبة أم مداعبة واستوصفته فجرى على المعهود منه في الجهل بما يقول وعدم التمييز بين المعقول والمنقول ولكني الظالم على نفسي والمشكك في حسي فإني أعهده لم يزل مميت الأحيا ومقفر الأحيا فكم له بالديار المصرية من قتلى وأوراقه للمرضى أشرُّ من أوراق الدفلى كم شاب عالجه فأكسبه الصرع الفاج ولأن يسمى مصارعا أليق به من معالج ثلاثة تدخل في دفعه طلعته والنعش والغاسل لكنه مع ذلك ممن يجمع بين الأقران ويعمل المحرم في رمضان قد ملك قياد القيادة على الفنين وطالت فيها مدته فاستحق أن يدعى بذي القرنين فاستعذت بالله من الشيطان وسرحته بإحسان، كتب) القاضي الفاضل في الكحالين يباكرني كل عبري العناصر يعزيني بالرحمة على بخت ناصر كأنه غاسل يدخل إلى إنسان العين بحنوطه من كحله الملعون ويدرجه في كفن من الخرقة السوداء التي يلبسها سواد العيون مردودة عصية ولديها عصى العمى ينقل العين إلى بياض الثغور ويسلبها اللمى قد انتهى إلى فوق ما ضرب به المثل إذ قيل يسرق الكحل من العين وهذا يسرق العين من الكحل فهذا وأمثاله لص من اللصوص وسموا كحالين وهم صاغة لما يصوغون ويركبون فوق العون من الفصوص بل دباغون يدبغون الجفن أبيضا وما يعدوهم مهك الدباغ بل صباغون يصبغون الأسود أبيض وليس ذلك الصباغ قد أودعوا حزن يعقوب في كحلهم مكاحلهم فمن كحل به ابيضت عيناه وجحدوا معجز القميص اليوسفي فلو مروا به على ناظر ما انفجرت جفناه وإذا رفعوا أميالهم فإنما هي لشمس العيون مزوّلة وإذا أولج أحدهم الميل في المكحلة فهو أولى بالرحم ممن أولج الميل في المكحلة وما يؤم أهل الكتاب في التبديل بواحد ولا خطاهم طريق إلى الغيّ غير راشد فيوما محوا آية النبي صلى الله عليه وسلم من التوراة وهي مسفرة ويوما محوا آية النور من الأبصار وهي مسفرة ولا خير فيهم حاربوا فمحوا بالأمس الخط من الأوراق واستداموا إلى اليوم فمحوا الخطوط من الأحداق.

كتب الحكيم شمس الدين بن دانيال إلى السراج الورقي قطعة كحل أصفهاني:

قل لعين الأمائل الأعيان ... ومحل الإنسان للإنسان

خذه كحلا مثل السيوف جلاء ... وصقالا يروق في الأجفان

حجر كسره أجل من الإكسير ... فعلا في العين أو في العيان

ألف عين تقيمها حبة منه ... قياسا يصح بالبرهان

أن تعظم مثاله في حجاز ... فلهذا التعظيم في أصبهان

الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:

ولو علمت فرق الوزارة رتبة ... تنال بمجد في الحياة لنالها

<<  <   >  >>