قال مؤلف الكتاب رحمه الله تعالى ضمنا مجلس أنس بزريبة قيصون بمنظل المرحوم فخر الدين بن مكانس وكان فيه إذا ذاك جماعة من أعيان متأدبي الديار المصرية فأطلقنا عنان المذاكرة وتجار ينافى ميدان المحاضرة إلى أن استطردنا إلى ذكر الخيول وما قيل فيها من منظوم أزهى من المنثور المطلول، فقال المرحوم فخر الدين سدوا عنا المقاطيع واطربونا بالمواصيل إشارة إلى ذكر ما قيل فيها من الرسائل التي أزرت بزهر الخمائل فذكر بعض الحاضرين رسالة القاضي محي الدين عبد الظاهر التي أولها وسير من الخيول الرهاوين كلما هو على الحسن مشتمل وذكر المرحوم فخر الدين رسالة الشيخ شهاب الدين محمود التي أولها وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وذكر المملوك رسالة الشيخ جمال الدين بن نباتة التي أولها، اما لخيل المسيرة وذكر الشيخ بدر الدين البشتكي رسالة العلامة لسان الدين بن الخطيب التي أولها....
وذكر القاضي مجد الدين بن مكانس حسب سؤال الجماعة رسالته التي أولها البلاغة جعل الله أكف مولانا ككرائم الخيل ظهورها عزا وبطونها كنزاً فما من الجماعة إلا من استحسنها وبالغ في شكرها، فقال المرحوم فخر الدين ينبغي أن تجمع هذه المقاطيع والرسائل في كراريس ويسميها مجرى السوابق. انتهى.
الباب الثالث والأربعون
في مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك
ولبعضهم في الفهد:
وأهرت الشدق في فيه وفي يده ... ما في الصوارم والعسالة الذبل
تنافس الليل فيه والنهار معاً ... فقصماه بجلباب من المقل
والشمس مذ لقبوها بالغزالة لم ... تطلع على وجهه إلا على وجل
ابن المعتز فيه: وعابس الوجه لا لقادحة ... تحسبه من قبائل الترك
تخال أثوابه مصندلة ... نقطها الغانيات بالمسك
الارجاني فيه:
وأهرت أدم بدت كأسمها ... به الدهر أدم لنا يؤتدم
من النمر خيط على جسمه ... أديم تعين لا عن حلم
به علقت شرر لو حت ... هـ من نار خد له يضطرم
ففي كل عضو له أعين ... تراصد إن هو بالصيد هم
تراه رديفاً وراء الغلام ... وبالشمس الوجه منه التأم
شبيه سبية جيش غدت ... تذيق الكرى مقلة لم تنم
جرى الدمع بالكحل من عينها ... فنمنم جلبابها إذ سجم
وقد كاد يخرج من جلده ... وراء الطريدة لما اقتحم
فقد شمر الجلد خوفاً علي ... هـ أول ما الخلق منه استتم
ابن الأثير الجزري في الفهود: فخرجنا والشمس قد نقص مشرقها عن مغربها وأمنت حمة حرها وإن صارت إلى برج عقربها بكل فهد قد حيك أهابه من ضدين بياض وسواد وصور على أشكال العيون فتطلعت إلى انتزاع الأرواح من لأجساد يبلغ الأمد الأقصى في أدنى وثباته ويسبق الفريسة ولا يقصها إلى عن التفاتة.
القول في طبائعه: زعم أرسطو أنه متولد بين أسد ونمرة أو بين لبوة ونمر في طبعه مشابهة لطبع الكلب في أدواته وذواته والنوم الذي يعتريه ويقال إن الفهدة إذا حملت وثقل حملها حتى عليها كل ذكر يراها من الفهود ويواسيها من صيده فإذا أرادت الولادة هربت إلى موضع أعدته حتى إذا علمت أولادها الصيد تركتها وبهذا الحيوان يضرب المثل في شدة النوم فيقال أنوم من فهد.
قال الشاعر وقد عيره بكثرة النوم:
رقدت مقلتي وقلبي يقظا ... ن يحس الأمور حساً شديداً
يحمد النوم في الجواد كمالاً ... يمنع الفهد نومه أن يصيدا