قال الشريشي في شرح المقامات: هذه المروحة تكون شبيه الشراع للسفينة وتعلق في سقف ويشد بها حبل تدير به مشيها وتبل بالماء وترش بماء الورد، فإذا أراد الرجل في القائلة أن ينام جذبها بحبلها فتذهب بطول البيت وتجيء فيهب على الرجل منها نسيم بارد طيب الريح فيذهب عنه أذى الحر ويستطب وهي فوقه ذاهبة وجائية؛ ولذلك سماها جارية.
ومشمعلة سريعة الذهاب وقفولها رجوعها والسائق الشريط الذي يسوقها إذا جذبت به يستحثها يستعجلها ومن جنسها أي هو من كان مثلها رسيلها أي يرسل معها لزاوية البيت، وترجع معها أو إن القيض وقت الصيف وتنطف تقطر، وقحولها يبسها انتهى. كلام الشريشى.
قال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: وهذه المروحة محدثة في زمن بني العباس وكان سبب حدوثها أن هارون الرشيد دخل يوماً على أخته علية بنت المهدي في قيض شديد فألقاها قد صبغت ثياباً من زعفران وصندل ونشرتها على الحبال لتجف فجلس هارون قريباً من الثياب المنشورة فجعلت الريح تمر على الثياب فتحمل منها ريحاً بليلة عطرة فوجد لذلك راحة من الحر واستطابة، فأمر أن يصنع له في مجلسه مثله على الوجه المشروح في كلام الشريشى فاشتهرت واستعلمها الناس.
ومن ملح ألغاز الصاحب بن عباد فيها قوله لأبي العباس الحارث في يوم قيض ما يقول الشيخ في قبله فلم يفهم عنه اراد في قلب الشيخ وهو خيش وقال السرى الرفاء:
وخيش كما نجرت ذيول غلائل ... مصندلة تختال فيها الكواعب
وقد اطلعت فيها الشمائل وأنشدت ... مقبلة في جانبيها الحبائب
الباب الثاني عشر
في الطيور المسمعة
القول على الببغاء وهو طائر هندي وحبشي دمث الخلق ثاقب الفهم له قوة على حكاية الأصوات وتلقى التلقين، تتخذه الملوك في منازلهم لينم بما يقع فيها من الأخبار، وفي لونه الأغبر والأخضر والأسود والأحمر والأصفر والأبيض، وقد أهديت لمعز الدولة هدية من اليمن فيها ببغا بيضاء سوداء المنقار والرجلين وعلى رأسها ذؤابة فستقية وكل هذه الألوان معدومة خلا الأخضر، وفي طبع هذا الطائر أنه يتناول طعامه برجليه كما يتناول الإنسان الشيء بيده وله منقار معقق يكسر به الصلب وينقب به ما يعسر نقبه، يتزاوج ويتعاشق ويسكن الذكر إلى أنثاه وله عفة في مأكله ومشربه ومنكحه، ليس بشره ولا أشر وهو بمثابة الإنسان الظريف، والناس يحتالون على تعليمه بأن ينصب له تجاهه مرآة بحيث يرى خياله فيها ويتكلم الإنسان من ورائها فيتوهم أن خياله في المرآة وهو المتكلم فيأخذ نفسه بحكاية ما يسمعه من صوت الإنسان.
الوصف: كتب أبو اسحاق الصابي إلى أبي الفرج أبياتاً في الببغاء منها (توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة) :
زارتك من بلادها البعيدة ... واستوطنت عندك كالقعيدة
ضيف قراه الجوزا والأرز ... والضيف في أبياتنا يعز
تراه في منقاره الخلوقي ... كلؤلؤ بالعقيق
ينظر من عينين كالفصين ... في النور والظلمة بصاصين
يميس في حلته الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء
خريدة حذروها الأقفاص ... ليس لها من حبسها خلاص
فأجابه بأبيات منها:
وحسن منقار أشم قان ... كأنما صيغ من المرجان
صيرها أفرادها في الجنس ... بنطقها من فصحاء الأنس
يحكي الذي تسمعه بلا كذب ... من غير تغير لجد أو لعب
ذات غشا تحسبه ياقوتاً ... لاترضى غيير الأرز قوتا
كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفو على عقارها
أقدامها ببأسها الشديد ... أوقعها في قفص حديد
وهذه المذكورة تسمى في هذه البلاد الدرة.