إلى أن توارت بالحجاب مريضة ... تلفع في ثوب من الليل أخضر
وغازلني جفن من الأفق أنجل ... يدير من الظلماء مقلة أحور
ونقلت من كتاب نزهة الأبصار في نعت الفواكه والثمار تأليف الشيخ الفاضل الكامل محمد بن القاضي المنشئ البليغ ضياء الدين نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الموصلي ولم أزل من الأزهار في سؤال وجواب وأنا منصت إنصات المتعجب لمفاخرات الإعجاب إذ سمعت صوت هاتفة ورقاء على بانة خضرا بلسان فصيح وقلب بفرقة الأحباب جريح وقد أوفت على غصنها الرطيب ومالت وأعلنت بما أسرته من وجد وقالت:
اذكرونا ذكرنا عهدكم ... رب ذكرى قربت من ترحا
اذكروا صبا إذا أغنى بكم ... شرب الدمع وعاف القدحا
يا معشر الرياحين التي يزهى حسنها على كل حين لقد جزتم حد الإكثار ولم ينج أحدكم من سقطات العثار هب أنكم نزهة العيون وزينة الأفنان والفنون فهل أنتم إلا أعشاش أفراخنا ومواضع أوساخنا وأعواد خطبائنا وأرائك أمرائنا ومهود أبنائنا وستور نسائنا رءوسكم محط أرجلنا وهاماتكم نعال أرجلنا ونحن المسبحون بحمد ربنا المثنون عليه بالألسن الناطقة والأفواه العذبة الرائقة فلما سمعت كلام الحمام هممت بالانصراف من حيث أتيت لأخبر بما سمعت ورأيت إذا أقبلت غمامة تمشى لثقلها مشى الرداح ويكاد يلمسها من قام بالراح وما أظلمت إلا أضاء البرق في جوانبها فتمثلت ليلا في صباح فلم يزل البرق يأخذ في أذهاب ردائها ويبدو نذيرا لدى أصوات ندائها وهل يلقى على الأرض ما حملته في أحشائها ثم قالت يا ذوات البكاء والنوح المفتخرات على الأك والدوح ألستم الباكين بغير جوى الشاكين ألم الفراق من غير هوى بكم عرف الشقاق واشتهر ذكره في الآفاق قلوبكم خاشعة وعيونكم غير دامعة ومنكم عرف اختلاف الباطن والظاهر وقد أعرب عن ذلك قول الشاعر:
وهاتفة في البان تملى غرامها ... فتتلو علينا من صبابتها صحفا
ولو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقا ولا خضبت كفا
ونقلت من خط الشيخ شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي لنفسه الكريمة (توفي قريبا من سنة خمس وثمانين وسبعمائة) وأنشدني من نظمه:
سماع غناء الطير للدوح مرقص ... ومن طرب بالزهر منه ينقط
الباب السابع عشر
في آنية الراح
الشراب في الزجاج أحسن منه في كل جوهر لا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل في اليد ولا يرتفع في السوم وقدور الزجاج أطيب من قدور الحجارة وهي لا تصدأ ولا تندى ولا يتخللها وسخ الغمر وأوساخ الوضر وإن اتسخت فالماء وحده لها جلا ومتى غسلت بالماء عادت جديدة ومن كرع فيه بشرب فكأنما يكرع في إناء وماء وهواء وضياء، وما أحسن رسالة سهل بن هارون يفضل الزجاج على الذهب: الزجاج يحلو نورى والذهب متاع سائر والشراب في الزجاج خير منه في كل معدن ولا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل اليد ولا يرفع في السوم واسم الذهب يتطير منه ومن لونه مصيره إلى اللئام وهو فاتن قاتل لمن أصابه وهو أيضا من مصائد إبليس ولذلك قالوا أهلك الرجال الأحمران والزجاج لا يحمل الوضر وهو أشبه شيء بالماء وصفته عجيبة ... وهي رسالة طويلة.
ومن أحسن ما قيل في ذمه قول النظام فإنه أخرجه في كلمتين بأوجز لفظ وأتم معنى فقال سريع إليه الكسر ولا يقبل الجبر.
ذكر الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه وجد المتورد بن ربيعة يوم القادسية إبريق ذهب عليه ياقوت وزبرجد فلم يدر ما هو فلقيه رجل من الفرس فقال أنا أعطيك فيه عشرة آلاف دينار فعرف قيمته فذهب به إلى سعد بن أبي وقاص (فباعه بمائة ألف دينار.
ووجد للوليد بن يزيد بعد مقتله بلور كأعظم ما يكون من الجفان قيل إنها تسع ثلاثمائة رطل ولما وقعت الفتنة بين عازم الدولة رقيب بن علي وبين حاج خراسان بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وعازم الدولة يومئذ أمير الموسم ومقدم القافلة المضرية وكانت الهزيمة على الخراسانين فنهبت أموالهم وأتى بعض النهابة إلى عازم الدولة بزبدية فيروزج تسع وزن رطل شامي كأحسن ما يكون من الزباد لا يعلم لها قيمة ودفعها عازم الدولة بعد ذلك إلى الظاهر.