[الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار]
ما أسخن وقول القاضي الفاضل ووردنا حصين كوكب وهو نجم في سحاب وعقاب في عقاب وهامة لها الغمامة عمامة وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لنا قلامة، وقال الشيخ شهاب الدين محمود: حصن قد تفرط بالنجوم وتقرطق بالغيوم وسما فرعه إلى السماء ورسى أصله إلى التخوم وتخال الشمس إذا علت أنها تنتقل في أبراجه ويظن من سها إلى السها أنها ذبالة في سراجه لا يعلوه من مسمى الطير غير نسر السما وزمامه ولا يرمق متبرجات بروجه غير عين الشمس والمقل التي تطرف من أنجمه وحوله كل شامخ تهيب عقاب الجو قطع عقابه وتقف الريح حسرى إذا توقلت في هضابه تخفق العيون إذا رمقته سلوك ما دونه من المحاجر ويحيل الفكر وصورة الترقي إليه لا يبلغها حتى تبلغ القلوب الحناجر وحوله من الأودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأصنافها ولا تعرف فيها الأهلة إلا بأوصافها.
قال الشيخ جمال الدين بن نباتة من باب محرم الخاطر وإذا هي سماء يتقاعس الفكر عن محاولة شهبها وحسناء كلما رمت أن تنظر وجهها الحسن فكان قرص الشمس مرآة وجهها تزاحم برجها السماء بالمناكب وتضيء إضاءة نجومها الثواقب وتلقى إذا عطشت كوكب الدلو بأرشية في البروق قليب السحائب لا تسامى ولا تسام ولا يحصل منها قادم سفر إلا على معانقة العوالى ومصافحة السهام، وقال علاء الدين بن غانم: ذات أودية ومحاجر لا ترها العيون لبعد مرامها إلا شزرا ولا ينظر ساكنها العدد الكثير إلا نزرا ولا يظن ناظرها إلا أنها طالعة بين النجوم مما لها من الأبراج ولها من الفرات خندق يحفها كالبحر إلا أن هذا أعذب فرات وهذا ملح أجاج ولها واد لا يقي لفحة الرمضاء ولا حر الهواجر وقد توعرت مسالكه فلا يداس فيها إلا على المحاجر وتفاوت ما بين مرات العلا وقراره العميق ويقتحم راكبه الهول في هبوطه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق، وقال سيدي الأخ العزيز الفاضل تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي سلمه الله تعالى في وصف قلعة دمشق عندما حوصرت في الوقعة المشهورة ونظرت بعد ذلك إلى القلعة المحروسة وقد قامت قيامة حربها حتى قلنا أزفة الأزفة وقد ستروا بروجها من الطارق وهم يتلون ليس لهما من دون الله كاشفة واستجليت عروس الطارمة عند زفتها وقد تجهزت للحرب ولم نرض بغير الأرواح مهر وقد أعقدت على رأسها تلك العصائب وقد توشحت بتلك الطوارق وأدارت على معصمها الأبيض سوار النهر وغازلت بحواجب قسيها ورمت القلوب من عيون مراميها بالنبال وأهدت إلى العيون من مكاحل نارها أكحالاً كانت السهام لها أميال وطلبها كل من الحاضرين وقد غلا دست الحرب وشمخ وهو على فرسه بنفسه الغالية وراموا كشفها وهم في رقعة الأرض كأنهم لم يعلموا أن الطارمة عالية وتالله لقد حرست بقوم لم يتدرعوا بغير آية الحرس في الأسحار وقد استيقظوا لحمل قيسهم ولم تنم أعينهم عن الأوتار فأعيد رواسيها التي كالجبال الشامخة بمن أسس المحجوج وأحصنها قلعة بالسماء ذات البروج.
قلت ويحسن ذكر المنجنيق في هذ١ الموطن نقلت من خط القاضي صلاح الدين الصفدي قال نقلت من خط الزجاج الوراق لنفسه يصف حجارة المنجنيق:
ترقى بمكر المنجنيق إلى السها ... وتعود تطلب مركز أرباها
وحمت بها الأسوار ثم تكلمت ... لم لا وقد فتحت بها أفواها
وتولت السمر الطوال سواكها ... وثغورها لا تنجلى بسوادها
وقال ابن النبيه من قصيدة يمدح بها الأشرف ويصف دارا بناها بقلعة أخلاط:
سقى الله من أعلام أخلاط قلعة ... يحوم بها نسر السها على وكر
ودار على خير الطوالع أسست ... فمن حل فيها في أمان من الدهر
تجلى مدى الأبصار لمع بياضها ... فأحسبها قد ألبست بهجة الدر
وقد أثبتت أركانها من نقوشها ... تماثيل روض لم يزل يانع الزهر
تكاد تشم المسك من نسماتها ... ويقطر من أرجائها ورق التبر
تسر وتلهى ساكنيها بحسنها ... فإن شئت أغنت عن غناء وعن خمر
إذا فتحت أبواب مستبشر بها ... جلت لك نور البحر والوحش في البر
فإن شئت للاخرى فمحراب ناسك ... وإن شئت للدينا فريحانة العمر
وإن جمعا فالله ما زال جامعاً ... شتيت العلا للاشراف بن أبي بكر وللشيخ بن أبي حجلة في مدرسة القاضي بدر الدين بن الجزولى بمصر: