فكأنما طرف إليه ناظر ... وكأنه جفن عليه مطبق
وافاه مصطفقا عليه موجه ... فكأنما هو للسرور مصفق
وتجاذبت أيدي الرياح رداءه ... عنه فظل رداؤه يتمزق
وسرى النسيم وراهن برفقه ... فرقي الذي عذب الرياح يمزق
تلك المنازل لا حديث يفتري ... عما سمعت ولا العراق وجلق
لله يوم كان فضلك باهرا ... فيه ومنك جماله والرونق
يوم تحلي الدهر منه برونق ... لما غدا المقياس وهو مخلق
هو ثالث العيدين إلا أنه ... للهو ليس على العبادة يطلق
جمعت لمشهده خلائق غادرت ... فيه رحيب البر وهو مضيق
وعلا عباب البحر من سباحه ... أمم يغص بها الفضاء ويشرق
كادت تبين لهم على صفحاته ... طرق ولكن يعيقون وترتق
لم يمش مركوب بهم فنفوسهم ... حثوا النحا كما تحث الأنيق
حفت جسومهم لفرط صبابة ... هزت إليك فما خشوا أن يغرقوا
وفدوا إليك مموهين بأخذ ما ... تعطي وأكثر سؤلهم أن يرمقوا
متجردين عن المخيط لأنهم ... حجاج بيتك غير أن لم يحلقو
طافوا به سبعا على وجناتهم ... سعيا وأرخي ستره فتعلقوا
والناس شاخصة إليك عيونهم ... كل يحدد طرفه ويحدق
ظمئت نفوسهم إليك فلم يكن ... صدر يقربه فؤاد شيق
متطلعين كما تطلع صائم ... ليرى هلال العيد ليلة يرمق
حتى إذا قضيت مناسك كعبة المق ... ياس وهي لكم عوائد سبق
وشكرت ربك في الزيادة طامعا ... ولشاكر النعماء المزيد محقق
ومددت للتخليق أكرم راحة ... أضحى الخلوف بطيبها يتخلق
أقبلت تنظرك العيون فتنثني ... حسرى وتلحظك القلوب فتطرق
تمشي الهوينا قد علتك سكينة ... كادت قلوب القوم منها تصفق
متتوجًا تاج الجلالة لابسا ... حلل الوقار وأنت فيها أليق
وقد امتطى يمني يديك مهندا ... غصنا يروق النصر منه يبرق
حتى انتهيت إلى مقر كرامة ... بالنيرات مزخرف ومنمق
فجلست حيث جلست منه بزينة ... شرفا وطاف بك الملوك وأحدقوا
كل يغض من المهابة طرفه ... فتراه وهو لغير فكر مطرق
والنيل مضطرب الغوارب مزبد ... صب إليك فؤاده متشوق
لو يستطيع سعى فقيل راحة ... هو في السماح بخلقها يتخلق
فرأيت منك ومنه تجري رحمة ... يتبارزان كلاهما يتدفق
أطعمتهم لما سقى فعليكما ... رزق العباد كلاكما يسترزق
لكن بينكما على ما فيكما ... من نسبة في الجود فرقا يفرق
تحصي الأصابع جوده لحسابها ... لكن حساب يداك ليس يحقق
ويفيض ذا في كل عام مرة ... وبحار جودك كل حين يدفق
ويخص ذا قوما وجودك يستوي ... فيه الأنام مغرب ومشرق
ونداك لا منّ يكدره وذا ... يمنن فهو لأجل ذاك مريق
لما غدا المقياس مقسم راحة ... يحيي الرعية فيضها المتدفق
أكبرت أن تعلو الملابس عطفه ... فكسوته أنوار شمس تشرق
إنسانه خلقا جديدا ما رأى ... راء له شبها ولا هو مخلق
حرم الخلافة حله من ربه ... ملك بمقلته الخلائق ترمق
ذو معنيين فللتمنع معقل ... صعب المرام وللتمتع حوشق
أخذ الوقار عن المشيب وربه ... لكن عليه للشبيبة روتق
إيوان كسرى حيث شئت رأيته ... منه وأدنى ما هناك خورنق
حصن تمرد صنعه لا مارد ... وعلا فعز مثاله لا إلا بلق
دغتت به هوج الرياح فما جرت ... في كرة إلا بقلب يخفق
وكأنما هو النجوم ملجج ... وكأنما هوة في النجوم محلق
هذا الذي أعيا الملوك وجوده ... من بعد ما حاموا عليه وحلقوا
أدركت بالتمكين ما لم يدركوا ... ورزقت بالتوفيق ما لم يرزقوا
فانقض وواترهم فالقضاء مسدد ... والسعد مكنتف وأنت موفق
وقال شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الموصلي الشهير بابن الخلاوي (مولده سنة ثلاث وستمائة، ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة) يهنئ الملك الرحيم صاحب الموصل بدار بناها:
يا دار العلا والجد يأتيك ... حاشاك مما تمنيه أعاديك