للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيفية تناول الأشنان: أشنان الملوك والرؤساء هو طيب من جملة الطيوب وهو يجعل في أشنان دان له غطاء يحفظ رائحته ويكون له ملعقة يناول بها الغلام الأشنان ولا يلمس باليد البتة ولا سيما يد الغاسل فإنه أن أدخل يده فيه زفرة فسد جميعه لسرعة قبول الطيب الفساد بدخول أدنى سبب من الرائحة الكريهة عليه للطف جوهره، كان بعض الظرفاء إذا قدم إليه الطعام تناول بعض الأدهان العطرة الطيبة فسمح بد يديه فلا يتمكن الزفر من مسامها ولا يعلق بهما طائل منه والذي يعلق يسهل زواله بأدنى غسل، وقالوا كان كسرى في زمن السفرجل يتناول قطعة سرجل وفي غير زمانه يتنول مرباه فيأكلها عندما يقدم إليه الطعام فينسد خلل ما بين أسنانه وعموره بالسفرجل فلا يعلق بهما من مضغ اللحم طائل وكان يستعمل على مائدته بين كل لونين ملعقة رمان ليغسل فمه من الطعام الأول فيذوق الطعام الثاني خالص الطعم من شوب الطعام الأول فيدرك فرق ما بين الطعامين ويلتذ بكل واحد بمفرده ومن آداب الملوك أن لا يغسل الإنسان يديه في مجلس الملك أو بحضرة الرئيس ولا بحيث يراه إلا بإذنه وكذلك يصنع في الخلال فإنه من أسوء أدب الجليس وأن أذن الرئيس لجليسه في الغسل وأحب أن يتخلل فلينعزل بحيث لا يراه ولا يقع نظر الرئيس عليه.

وحكى أن أول غضب المعتصم على الأفشين وكان حظياً عنده أنه أكل عنده ثم دعا بالطست فغسل يده بحيث يراه المعتصم فقال المعتصم هذا التيس طويل اللحية يدعو بالطست حيث أراه ثم من آدابه لمن يؤذن له أن يستقصى إزالة لزفر ولا يقصر في غسل يده.

ويحكى أن رجلاً قصر في غسل يده دعوة بعض الظرفاء فقال له الدعوة أنق يدك وإلا دنست منديلنا، وكان عبد الله بن سلمان يبطئ في غسل يده ويقول من حكم اليد أن يكون زمان غسلها بمقدار زمان أكلها، وسأل المأمون اليزيدي معلم ولده العباس عن أخلاقه فأخبره انه لا يفلح ولا همة له قال كيف علمت ذلك قال رأيته قد ناوله الغلام أشناناً فاستكثر ما وقع في يده منه فرده في الأشنان دان ولم يلقه في الطست فعلمت أنه بخيل والبخيل لا يصلح للملك فكان الأمر كما قال وليحترز عند غسل اليدين من الرشش على من يليه أو نفض يديه بالماء إذا فرغ أو التنخع في الطست أو المخاط فيه.

الخلال: روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تخللوا فإنه نظافة والنظافة من الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة، وفي حديث عمر (السواك بعد الطعام يذهب وصر الطعام، وفي حديث آخر أنه هـ صلى الله عليه وسلم أمر بالخلال ونهي عن أن يتخلل بالرمان والقصب وقال أنهما يحركان عرق الآكلة وفي رواية يحرك عرق الجذام، وفي كتاب طب أهل البيت عليهم السلام عنه صلى الله عليه وسلم الخلال يجلب الرزق، وفيه من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة سبعة أيام، وعن أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حبذا المتخللون قالوا يا رسول الله ما المتخللون قال التخلل من الطعام فإنه ليس شيء على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام، والخلال عمله من الصفصاف وعيدان الخلاف وطبع الصفصاف بارد يابس قليل الأضرار بالأسنان كثير النفع لها وهو أجود ما استعمل وخللت به الأسنان من الزهومات مأمون عليها.

ومن مستظرف المعاني وان لم يكن من غرض هذا الفصل لكن الحديث شجون ما أنشدنيه من لفظه لنفسه ونقلته من خطه بالقاهرة المحروسة سيدنا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بالدماميني رحمه الله:

أفديه من ظبي غزالي ... بلواحظ تبغي قتالي

ورآه يضمر بالجفا ... في خاطر منه وبال

ما للعذول إذا أبح_ت لحسنه روحي ومالي والجسم من عشق لذا_ك الثغر أصبح كالخلال رجع إلى ما كنا فيه والخلال المأمون هو زهر قضيب نبت في الصحراء يقال أنه الجزر البري وهو حار يابس بزره إذا أستف ألقى الدود من الجوف وإنما سمى المأمون لقلة أذاه للأسنان واللثة للينة وهو خلال تستعملها العوام من الناس.

<<  <   >  >>