للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوحد الزمان هبة الله أبو البركات بن علي كان يهودياً واسلم ومن حذقه أن مريضاً كان ببغداد قد عرضت له علة الماليخولياء وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبداً فكان كلما مشى يتخايل أن المواضع سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدن عن رأسه أو يقع وبقي هذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل من معالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم إن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما أن يسرع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاماً آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضر ب فوق رأسه أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض ولما كان أوحد الزمان في بيته وأتاه المريض فأقبل إليه وقال له والله لا بد لي أن أكسر الدن وأريحك منه ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب فوق رأسه بنحو ذراع وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح فكانت له ويحة عظيمة وتكسر قطعاً كبيرة فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إياه ولم يشك فيه أنه الذي كان على رأسه بزعمه وأثر فيه الوهم أثراً أبرأ علته من تلك وهذا باب عظيم في المداواة.

العنيزي صاحب النور المجتبي: كان طبيباً ممارساً مشهوراً وعالماً مذكوراً وافر الفضل فيلسوفاً متبصراً في علم الأدب ومن كلامه الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق وقال الأدب أزين للمؤمن من نسبه وأولى للمرء من حسبه وأدفع عن عرضه من ماله وأرفع لذكره من جماله وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه وقال الجاهل يطلب المال والعالم يطلب الكمال وقال الغم ليل القلب والسرور نهاره وشرب السم أهون من معاناة الهم ومن شعره:

لو كنت تعلم كل ما علم الورى ... جمعاً لكنت صديق كل العالم

لكن جهلت فصرت تحسب كل من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم

يحيى بن اسحاق: كان طبيباً ذكياً وعالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده وكان في دولة عبد الرحمن الناصر لدين الله واستوزره نقل عنه من حذفه أنه أتى إليه بدوي على حمار وهو يصيح على باب داره أدركوني وكلموا الوزير بخبري فلما خرج إليه قال ما بالك فقال له ورم في أحليلي منعني منذ أيام كثيرة وأنا في الموت فقال له اكشف عنه فإذا هو وارم فقال لرجل كان قد أقبل مع العليل أطلب لي حجراً أملس فطلبه فوجده فقال ضعه على كفك وضع عليه الأحليل فلما مكن أحليل الرجل على الحجر جمع الوزير يده وضرب على الأحليل ضربة غشى الرجل منها ثم اندفع الصديد يجري فلما استوفى الرجل صديد الورم فتح عينيه ثم بال البول في اثر ذلك فقال له اذهب فقد برئت علتك وأنت رجل عابث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها في عين الأحليل فورم لها وقد خرجت في الصديد فقال له الرجل قد فعلت هذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة.

<<  <   >  >>