إن ابن أبيك لم تزل سرقاته ... تأتي بكل قبيحة وقبيح
نسب المعاني في النسيم لنفسه ... جهلاً وراح كلامه في الريح
وكان القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى يحب مغنياً اسمه النسيم وله فيه عدة مقاطيع وقد ذكر بعضها الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة من رقعة كتبها القاضي علاء الدين بن فضل الله في منزلة الأهرام قال: وقد كان تقدم من انعامه ثوب صوف أحمر، ونصفه في يوم ماطر ونسأل الله تععالى أن لا يخلى ذوي العارض الممطر من جاه مولانا العريض وحلل أنعامه التي هي كالدنانير الحمر والدراهم البيض ونصف مبيتة في هذه المنزلة التي أصبحت كليلة اتلقدر عندي ذات أندية وخيامها التي ولو طكان طالعة بها سعد الأخبية وبردها اليابس الذي لم يترك منه رطباً سوى لسانه حين يرجع بالغيث فإن شبت من هوله فالهرم أمامي وإن فرزت من نسيمه فهوى ناقتي خلفي وقدامي.
هوى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كل نفس حيث حل حبيبها
فلو حكم به على القاضي محيي الدين بن عبد الله الظاهر رحمه الله تعالى وقد حمى بهبوبه الوطيس لاشتغل بنفسه ولترك محبوبه النسيم في الريح المريس وذلك بعد أن قال فيه:
إن كانت العشاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
فقلت كأني حاضر أخاطبه:
إن كنت في عشق النسيم متيماً ... وزعمت أن هواه ليس بمتلف
فأنا أقول لمن تحرش بالهوى ... عرضت نفسك للبلا فاستهدف
وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر فيمن اسمه نسيم:
يا من غدا لي من عوا ... صف هجره الريح العقيم
أترى يطيب لي الهوى ... ويقال لي رق النسيم
فقلت له مجاوباً:
بالله إن رق النسيم وأخمدت ... نار تؤجهها يد التبريح
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ودع العذول وقوله في الريح
قلت: وعلى ذطكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة رسالته المذكورة في ليلة من جمادى ذات أندية ذكرت ما قاله الشيخ المحدث الرحلة فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس رحمه الله تعالى قال: كان القاضي فخر الدين بن نعمان والقاضبي تاج الدين أحمد بن الأثير (توفي تاج الدين سنة سبكعين وستمائة) صحبة السلطان على تل العجول ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا فاتفق أنه دعى لمملوكه المذكور بالطنبا، فقال له نعم ولم يأته وتكرر طلبه وهو يقول نعم ولم يأته، وكانت ليلة مظلمة مطيرة فأخرج فخر الدين راسه من الخيمة وقال تقول نعم ولم أرك فقال تاج الدين:
في ليلة من جمادى ذات اندية ... لا يبصر الكلب في أرجائها الطنبا
وقال بعض العشاق: ألا يا نسيم الريح مالك كلما ... تدانيت منا زاد نشرك طيبا
أظن سليمى خبرت بسقامنا ... فاعطتك رياها فحييت طبيبا
وكان أبو الفرج الوأواء محمد بن أحمد الدمشقي من حسنات الشام وصناعة الكلام وكان مبدأه منادياً بدار البطبيخ بدمشق قال: قال ابن خلدون كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من أموره فقال: مرة يا أبا عبد الله لما دخلت البارحة إلى منزلي استقبلتني جارية من جواري فلم أتمالك دون أن قبلتها فوجدت بين شفتيها هوى لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان ذلك مما يستملح ويستظرف من الفتح بن خاقان فسمع الوأواء ذلك فقال:
سقى الله ليلاً طاب إذ زاد طرفه ... فأفنيته حتى الصباح عناقا
بطيب نسيم منه يستجلب الكرى ... فلو رقد المخمور فيه أفاقا
وقال علاء الدين الجويني صاحب الديوان دوبيت:
لله مبيتنا بضوء القمر ... والحب نديمنا وصوت الوتر
قد فرق بيننا نسيم سحراً ... ما أبرد ما جاء نسيم السحر
وما ألطف ما قال سيدي تقي الدين بن حجة أبقاه الله تعالى من موشحة امتدح بها سيدنا ومولانا الإمام العلامة المفنن قاضي القضاة أبي الحسن علاء الدين الشهير بالقصا الحاكم بمدينة حماة المحروسة اسبغ عليه ظلاله مضمناً:
بالله يا برق إن أومضت في الثغر ... وحارس اللحظ في شك من الخبر
قف بالثنيات واذكرني إذا عذبت ... مسهلات عذيب الثغر في السحر
وأرسل عليل النسيم خلفي ... معرفاً بالشذا ومشفى