للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجري فلمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق

ويكاد يجرى سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق

القول الشائع في طبائع البغل قال أصحاب الكلام البغل حيوان مركب من الفرس والحمار ومتولد من فساد منيهما ولما كان ممتزجاً بينهما صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل وكذا سحيحه مولد بين نهيق الحمار وصهيل الفرس، وقال الجاحظ: الغل يخرج بين حيوانين يلدان مثلهما ويعيش نتاجهما ويبقى بقاءهما وهو لا ييش له ولد وليس بعقيم ولا يبقى للبغلة ولد وليست بعاقر وهو أطول عمراً من أبويه وأصبر على الأفعال من طرفيه كابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال فإنه يكون نتاجمهما أخبث من البغل وأفسد أعراقاً من السبع وأكثر عيوباً من الثعبان وشر الطباع ما تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتعادية والعناصر المتباعدة ويقال إن أول من أنتجها قارون وقيل أفريدون ومن أخلاقه الألف لكل دابة ويذكر بالهداية في كل طريق يسلكه مرة واحدة ويقول أصحاب الكلام في الطبائع أن أبوال إناث الأبغال تنقية لأجسادنا كما تنقى النساء بدم الطمث.

محائل النجابة في هذا النوع: قال بعضهم إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق تجده في نجابتها مشرقة الهادي تجده في طباعها مجفرة الجوف تجده في صدرها، والأحسن في مدحها قول عبد الرحمن بن أبي ربيعة بن الحرث بن عبد المطل جواباً لصفوان بن عمرو بن الأهتم وقد أنكر عليه ركوب البغل قال: تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوسطها، ويقال كم في السواحج من أسحج الخدين شهير الحدين شؤمه شؤم العناق ويومه شهر لذوات الأعناق راكبه يركب أبدأ وطياً وتحسبه وهو يمر مر السحاب طياً، والإناث منها أحمد أثراً ولذلك قيل: عليك بالبغلة دون البغل فإنها جامعة للشمل مركب قاض وغمام وعالم وسيد وكهل تصلح للرحل وغير الرحل.

وساير عبد الحميد مروان بن محمد الجعدي على بغلة فقال له طالت صحبة هذه الدابة لك فقال يا أمير المؤمنين من بركة الدواب طول صحبتها، فقال صفها فقال: همها أمامها وسوطها زمامها وما ضربت قط إلا ظلماً.

القول في طبائع الحمار الأهلي: قال المتكلمون في طبائع الحيوان ليس في الحيوان شيء ينزو في غير نوعه ويلقح ويأتي فيه شبهه إلا في الحمار وهو ينزو إذا مضى له ثلاثون شهراً ولا يولد له قبل أن يتم ثلاث سنين ونصف قالوا وهذا النوع صنفان: صنف عاس حاس وهو يصلح لحمل الأثقال، والآخر لدن دمث أحر وأيبس من نفس الفرس فتراه كثير الشغب والحركة بمنزلة النار المتوقدة التي لا يهدأ اضطرابها فهذا يصلح أن يرفه للركوب في قضاء الأوطار والحاجات وأجود الحمر المصرية وأهلها يعتنون بتربيتها والقيام عليها لما يجدونه من لافراهة وسرعة الحصر والنجابة ويبالغون في أثمانها بحسب فراهيتها حتى بيع منها في بعض السنين حمار بمائة دينار وعشرة دنانير فقد كان صاحبه ويسمع أذان المغرب بالقاهرة فيركب ويسوقه فبلحقها بمصر وبينهما ثلاث أميال، ومن عادة الحمار أنه إذا شم رائحة الأسد رمى بنفسه عليه من شدة خوفه له يريد بذلك الفرار منه قال حبيب بن أوس الطائي في أبيات يخاطب بها عبد الصمد بن المعدل وقد هجاه حيث يقول:

أقدمت ويلك من هجوى على خطر ... كالعير يقدم من خوف على الأسد

ويوصف بالهداية لأنه لا يضل عن طريق سلكه ولو مرة واحدة ولا يخطئه فإن ضل راكبه هذه إلى طريق وحمله على المحجة وربما غاب عن الموضع الذي كان فيه السنين العديدة فإذا مر بالزقاق الذي فيه الموضع دخله وريما سرق فتكون معرفته للموضع عوناً لصاحبه على معرفة من سرقة، ويوصف بحدة حاسة السمع بحيث أنه ينذر راكبه بما يتوقع خوفه فيحذر منه وإن بعُدَ مثواه، وهذا الحيوان يحسب البرد ويؤذيه أكثر من غيره ولهذا لا يوجد في بلاد موغلة في الشمال وبلاد الصقالبة ويعتريه داء الدماغ كالزكام يعرض له البرد في دماغه ويسيل من منخره بلغم كثير حار فان انحط إلى الرئة مات والطريق العجيب أنه إذا نهق أضر بالكلب حتى يقال أن أ÷ون نهيقه يحدث بالكلب مغساً فلذلك يطول نباحه: طريقتان رأيت ألا أتركهما لأنهما أعجوبتان:

<<  <   >  >>