ولا خلاف عند أهل اللغة في ذلك وهو ينقسم إلى صنفين عقاب ورمح فأما العقاب فمنها في اللون السود والخوخية والصقع والبيض والشقر ومنها ما يأوي الجبال ومنها ما يأوي الصحارى ومنها ما يأوي البياض ومنها ما يأوي حول المدن ويقال أن ذكورها من طير آخر لطيف لجرم لا يساوي شيئا والعقاب يبيض في الغالب ثلاث بيضات ويحضنها ثلاثين يوما وما عداها من الجوارح يبيض بيضتين في كلى سنة ويحضن عشرين يوما وفى طبع الذكر انه يمتحن أنثاه هل هي محافظة له أو موافية لغيره من جنسه بأن يصوب بصر فرخيه إلى شعاع الشمس فإن ثبت عليه تحقق أنهما فرخا وإن لم يصبر عليه ونبأ عنه ضرب الأنثى كما يضرب الرجل المرأة الزانية وطردها من وكره ورمى بالفرخين وهى تربي فراخها إلى أن تقوى على الطيران فتخرجها وتنفيها عن جميع مواضعها ومن حقوقها لفراخها أنها لا تحمل على نفسها في الكسب عليها ومتى كان الذكر والأنثى في مكانين مجتمعين لا يدعان غيرهما من جنسهما يأوي قريباً منه ولا يصيد فيه وهى إذا صادت شيئا لا تحمله على الفور إلى مكانها بل تنقله من موضع إلى موضع ولا تجلس إلا على الأماكن المرتفعة لأنها لا تستقل من الأرض إلا ببطء وعسر وإذا صادت الأرنب تبدأ بصيد الصغار ثم تصيد الكبار وهى أشد جراءة من سائر الجوارح وأقواها حركة إلى الغضب وأسرعها إقداماً وأيبسها مزاجاً ولذلك هي أحدها وهى خفيفة الجناح سريعة الطيران فهي إن شاءت كانت فوق كل شيء وان شاءت كانت بقرب كل شيء تتغذى بالعراق وتتعشى باليمن وريشها الذي عليها فروتها في الثستاء وحيسها في الصيف وربما صادت حمر الوحش وذلك أنها إذا نظرت الحمار رمت نفسها في الماء حتى تبتل جناحاها ثم تتمرغ في التراب ثم تطير حتى تقع على هامة الحمار ثم تصفق على عينيه بأجنحتها فتملأهما ترابا فلا يبصر حيث يذهب فيؤخذ وهى مولعة بصيد الحيات ولوعها بها كولوع الحيات بالفأر وفى طبعها قبل أن تدرب أن لا تراوغ صيداً ولا تعني في طلبه ولا تزال موفية على شرف عال فإذا رأت سباع الطير قد صادت شيئا انقضت عليه فيتركه له وينجو بنفسه ومتى جاعت لم يمتنع عليها الذئب وهى شديدة الخوف من الإنسان تنظر إليه بقرب منها ويقال إنها إذا شاخت وهرمت وثقل جناحها وأظلم بصرها التمست غديرا فإذا وجدته حلقت طائرة في الهواء ثم تقع في ذلك الغدير وتنغمس فيه مراراً فيصح جسمها ويقوى بصرها ويعود ريشها ناشئ إلى حالته الأولى ومتى ثقلت عن النهوض وعميت حملتها الفراخ غلى ظهورها ونقلتها من مكان إلى مكان لطلب الصيد وتعولها إلى أن تموت ومن عجيب ما أُلهمته أنها إذا اشتكت كبدها هن رفع الأرانب والثعالب في الهواء أكلت أكبادها فتبرأ وهى كل الحيات إلا رءوسها والطير إلا قلوبها ويدل على هذا قول امرئ القيس:
ومنقارها الأعلى يعظم ويتعقف حتى يكون سبب هلاكها لأنها لا تنال به الطعم حينئذ وأول من صاد بها أهل المغرب وإنما رغبتهم فيما رأوا من شدة شرهها وعظم سلاحها وصفة المحمود منها وثاقة الخلق وثبوت الأركان وحمرة اللون وغئور الحماليق وان تكون صقعا عجزا وهى التي تكون على علوتها بياض وأجودها ما جلب من سرب وجبال المغرب.
ابن نباتة:
أتيت إليها وهو كالفرخ راقد ... فيا خجلي لما دنوت وإقلالي
فقلت امرسيه بالأصابع فالتقى ... لدى وكرها العناب والحشف البالي