للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن المباني العظيمة المذكورة في القرآن العظيم إرم ذات العماد قال أصحاب الآثار ورواة الأخبار لما سمع شداد بن عاد بن أرم وصف الجنة سولت له نفسه أن يبني مثلها فبنى مدينة بين حضرموت وصنعاء طوله أثنى عشر فرسخا وعرضها مثل ذلك وأحاط بها سوراً ارتفاعه خمسمائة ذراع وغشى خارجها فضة مموهة بالذهب وبنى داخلها مائة مائة ألف قصر بعدد رؤساء أهل مملكته بلبن الذهب والفضة وكذلك جذوع سقوفها وأساطينها وأجرى في وسطها نهرا صفح أرضه بالذهب وجعل على حافتيه أنواع الجواهر والياقوت بدلا من الحصباء وألقى فيه المسك الغبر عوضا عن الحمأة وفرع منه جداول إلى تلك القصور والمنازل وغرس على شطوطها من الأشجار ما كان لزهره عرف ورائحته ذكية وزعموا أنه أقام في بنائها ثلاثمائة سنة فلما تم بناؤها زاد في طغيانه ولم يعبأ بربه فبعث الله هوداً عليه السلام يدعوه إلى الله تعالى ويحذره سطوته ويخوفه نقمته فلم يجبه إلى ما دعاه إليه وخرج من حضرموت إلى ذات العماد ليبلغ نفسه مناها بسكناها فلما أشرف عليها جاءته صيحة من السماء فأهلكته وجنوده وأفانته أمله ومقصوده.

ويروى أن عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل ندت له فوقع عليها فحمل ما قد عليه مما تم فلبغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وفي ذقنه خال يخرج في طلب إبل ندت له ثم التفت فرأى ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل وزعم الأحباريون أنه كان بها أربعمائة ألف وأربعون ألف عمود ولهذا سميت ذات العماد.

ومن المباني العظيمة سد ذي القرنين الذي بناه على يأجوج ومأجوج وصفته على ما حكاه ابن حردأدبة أن مكانه جبل أملس مقطوع بواد عرضه مائة وخمسين ذراعا وفي جانبي الوادي عضادتان مبنيان عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا كل ذلك مبني بلبن الحديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعا وعلى العضادتين دروند حديد طرفاه في العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعا وفوق الروند بناء بتلك اللبن الحديد المغيبة في النحاس إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر وفوق ذلك شرافات من حديد في طرف كل شرافة قرنان يبني كل واحد منهما إلى صاحبه بين العضادتين باب من حديد بمصراعين وبين كل مصراع خمسون ذراعا في خمسة أذرع وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع في الاستدارة وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعا وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع سوى ما كان تحت العضادتين ويقال أن آلة البناء التي بنى بها هذا السد موجودة بحصون بناها ذو القرنين ورتب فيها حراسا يحرسون هذا السد وهي مغارف وبقية لبن كل ذلك من حديد وأن كل لبنة ذراع ونصف في مثل ذلك في سمك شبر قد ألصق الصداء بعضها ببعض.

ومن المباني المشهورة قصر غمدان وكان بصنعاء قال الجاحظ أحبت العرب أن تشارك الفرس في البناء وتنفرد بالشعر فبنوا غمدان وكعبة بحران وحصين مارد والأبلق ويزعم بعض الأحباريين أن بانيه حام بن نوح ويزعم آخرون أن بيوراسف بناه على اسم الزهر وذكر ابن هشام أن الذي أسسه قحطان بن يعرب وأكمله بعده وأصله وائل بن حمير بن سبأ بن يعرب وخربه عثمان بن عفان (وكانت صفته على ما نقلته من الكتب المدونة في العجائب مربعا أحد أركانه مبني بالرخام الأبيض والثاني بالرخام الأصفر والثالث بالرخام الأخضر والرابع بالرخام الأحمر فيه سبع سقوف طباقا ما بين السقف والآخر خمسون ذراعا وجعل على كل ركن تمثال أسد من النحاس إذا هبت الريح دخل من دبره وخرجت من فيه فيسمع له صوت كزمير الأسد وقال ابن الكلبي كان على ركن أركان غمدان مكتوب بالحميرية أسلم غمدان معاديك مقتول بسيف العدوان، وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن قصر غمدان كان أربعة عشر غرفة بعضها فوق بعض ويروى أن عمر بن الخطاب (قال: لا يستقيم أمر العيوب ما دام فيها غمدانها وهذا القول الذي حض عثمان على هدمه وأثره باق على تل عال مطل على البلد قريب الجامع.

<<  <   >  >>