فأخذ الحبيب سهماً فرماها فأنفذها فقال زياد قتلت جاري، بيني وبينك المهلب فاختصما إليه فقال المهلب أبو أمامة لا يروع جاره، وقد ألزمتك العقل ألف دينار فدفعها إليه من يومه.
ولما بنى كسرى إيوانه كانت بجواره دويرة لعجوز لا يكمل تربيع الإيوان إلا بها فدفع لها جملة من المال، فقالت لا أبيع جوار الملك بملئها ذهباً ولا أخرج من جواره طائعة فإن غصبني إياها فهو قادر على ذلك فعلم كسرى بذلك، فقال تترك ويبنى الإيوان فقيل لا يجيء مستحكم التربيع، فقال يبنى ما اتفق وكان فيه عوج، فكان بعد ذلك يقال لهما أحسن بناء هذا الإيوان ولولا هذا العوج فيقول بهذا العوج تم حسنه.
قلت: وعلى ذكر الإيوان ما أحسن ما أنشدني من لفظه لنفسه أجازه الشيخ عز الدين على ابن الشيخ بهاء الدين الحسن الموصلي رحمه الله تعالى أحجبيه كتب القاضي صلاح الدين الصفدي تغمده الله بالرحمة:
يا من له الطول في المعالي ... وبالمعاني لنا يبصر
إني كما قلت في سؤالي ... ما مثل قولي نعم مقصر
رجع: وكان لابن المقفع بجنب داره دار وكان يستامها من صاحبها وهو يمتنع من بيعها اتفق أن ركبه دين فاحتاج إلى بيعها فعرضت عيه فسأل عن سبب بيعه إياها بعد غبطة بها فأخبره بقصته، فقال ما قمت إذاً بحرمة الجار إن اشتريتها وقد باعها معدماً فحمل إليه ثمن الدار وقال أبق دارك عليك بارك الله لك فيها ورد هذا في دينك.
وقال الأصمعي رأى بعضهم عدي بن حاتم الطائي يفت للنمل خبزاً بفناء داره، فقال له يا أبا طريف ما تصنع؟، فقال جارات ولهنّ حرمة.
قلت: وعلى ذكر حاتم الطائي ذكرت ما أنشدنيه سيدي الجناب المجدي فضل الله بن المرحوم الصاحب الفاضل فخر الدين عبد الرحم بن مكانس سلمه الله تعالى قال: أنشدني والدي من لفظه قال أنشدني صاحبنا الشيخ شمس الدين الواسطي (توفي المذكور قريباً م سنة ثمانين وسبعمائة) لنفسه موالياً:
ما مت حتى جفاني كل من فيالحي ... وملني وقلاني كل من لوشيّ
وأنت ما في العجم والعرب مثلك حيّ ... يا من طوى بالمكارم ذكر حاتم طيّ
قلت: وأنشدني من لنفسه الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس من قصيدة (وتوفي تغمده الله بالرحمة سنة أربع وتسعين وسبعمائة) وذلك بمنزله بقنطرة قدادار بتاريخ عاشر صفر من شهور عام ثلاث وتسعين وسبعمائة:
وكم طربت لما أبدته من ملح ... يصبو له كل ذي عقل وآراء
وجدت بالتبر من مالي ومن أدبي ... فكنت في كل حال منهما الطائي
رجع إلى ما كنا بصدده وقال محمد بن عبد الرحمن الزهري كانت بيني وبين أبي العباس تعلب مودة أكيدة وكنت أستشيره في أموري فجئت يوماً أشاوره في الانتقال من دار إلى أخرى لتأذي بها بالجوار، فقال يا أبا محمد تقول صبرك على أدى من تعرفه خير لك من استحداث ما لا تعرفه.
من غريب الاتفاق أن بشار بن برد كان قد حلف أنه لا يجاور حماد عجرد ولا يضله وإياه سقف بيت ولا مسجد وأنه يهجوه بألف قصيدة، فاتفق أن مات حماد في قرية من سواد البصرة وعرضت لبشار هناك حاجة فمات فيها ودفن إلى جانب حماد عجرد.
وقريب من هذه الحكاية ما حكي أن روحاً بن حاتم بن قبيصة بن المهلب كان والياً على السند وأخوه يزيد والياً على أفريقيا فتوفي بها في سنة سبعين ومائة بالقيرون، فقال أهل المدينة وأعني أفريقية ما أبعد ما يكون بين قبري هذين الأخوين فإن أخاه بالسند وهذا هنا فاتفق أن الرشيد عزل روحاً عن السند وسيره إلى موضع أخيه يزيد فدخل إلى أفريقية فلم يزل والياً بها إلى أن مات ودفن مع أخيه في قبر واحد فعجب الناس من غريب هذا الاتفاق.
عود: وكان لأبي حنيفة جاراً إسكاف بالكوفة يعمل نهاره أجمع فإذا جن الليل رجع إلى منزله بلحم أو سمك فيطبخ اللحم أو يشوي السمك فإذا دب فيه السكر أنشد:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر