قَالَ أَبُو إِسْحَق الثعالبي: وعَلى شهرة الْمَنْصُور بالبخل ذكر مُحَمَّد بن سَلام أَنه لم يُعْط خَليفَة قبل الْمَنْصُور عشرَة آلَاف ألف دارت بهَا الصكاك وَثبتت فِي الدَّوَاوِين؛ فَإِنَّهُ أعْطى فِي يَوْم وَاحِد [كل وَاحِد] من عمومته عشرَة آلَاف ألف دِرْهَم.
قلت: وَمَعَ هَذَا الْعَطاء خلف يَوْم مَاتَ فِي بيُوت الْأَمْوَال من النَّقْد تِسْعمائَة ألف ألف دِرْهَم وَخمسين ألف ألف دِرْهَم، وَمن الأقمشة والديباج فشئ كثير إِلَى الْغَايَة.
وَقَالَ الزبير: حَدثنِي مبارك الطَّبَرِيّ: سَمِعت أَبَا عبيد الله الْوَزير سمع الْمَنْصُور يَقُول: الْخَلِيفَة لَا يصلحه إِلَّا التَّقْوَى، وَالسُّلْطَان لَا يصلحه إِلَى الطَّاعَة، والرعية لَا يصلحها إِلَّا الْعدْل، وَأولى النَّاس بِالْعَفو أقدرهم بالعقوبة، وأنقص النَّاس عقلا من ظلم من هُوَ دونه.
وَقَالَ أَبُو العيناء: حَدثنَا الْأَصْمَعِي: أَن الْمَنْصُور صعد الْمِنْبَر؛ فشرع فِي الْخطْبَة؛ فَقَامَ رجل فَقَالَ:((يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أذكر من أَنْت فِي ذكره؛ فَقَالَ لَهُ: مرْحَبًا، لقد ذكرت جَلِيلًا، وخوفت عَظِيما، وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أَن أكون مِمَّن إِذا قيل [لَهُ] : اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم، وَالْمَوْعِظَة منا بَدَت وَمن عندنَا خرجت، [وَأَنت يَا] قَائِلهَا فأحلف بِاللَّه مَا الله أردْت، إِنَّمَا أردْت أَن يُقَال: قَامَ فَقَالَ فَعُوقِبَ فَصَبر؛ فأهون بهَا من قَائِلهَا، وابتهلها [من] الله، وَيلك! وَإِيَّاكُم معشر النَّاس وأمثالها)) .
ثمَّ عَاد إِلَى خطبَته؛ فَكَأَنَّمَا يقْرَأ من كتاب. إنتهى.