للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأما الْوَجْه الثَّانِي، فَإِن الْإِقْدَام على قتل النَّفس أَمر كَبِير يَنْبَغِي للْملك وَغَيره التَّحَرُّز مِنْهُ والتحري فِيهِ، والتجاوز عَن الْقَتْل إِلَى غَيره من: الْحَبْس، وَالنَّفْي، والإرداع وَغير ذَلِك.

وَلما خرج [الْملك] النَّاصِر إِلَى الْبِلَاد الشامية فِي سنة أَرْبَعَة عشر وَثَمَانمِائَة - وَكَانَ الْوَالِد يَوْم ذَاك النائباً على دمشق وَهُوَ متوعك فِي مرض مَوته - وَتقدم جاليش الْملك النَّاصِر من الْأُمَرَاء إِلَى الشَّام أَمَامه، وَدخل الجاليش [الْمَذْكُور إِلَى دمشق] قبل السُّلْطَان، وَسلم الْأُمَرَاء على الْوَالِد، وأعلموه بِالْخرُوجِ على النَّاصِر؛ فنهاهم عَن ذَلِك فِي الْبَاطِن؛ فَلم ينْتَهوا، وتوجهوا بتمامهم إِلَى شيخ ونوروز؛ فَعِنْدَ ذَلِك أَخذ أَمر النَّاصِر فِي انحطاط، وَعظم أَمر الْأُمَرَاء، وتكاثر عَددهمْ حَتَّى جَاوز عدَّة من كَانَ مَعَ نوروز وَشَيخ زِيَادَة على عشْرين مقدم [ألف] . كل وَاحِد [مِنْهُم] يَقُول فِي نَفسه: أَنه أعظم من شيخ ونوروز، وَأَن الْأَمر لَا يصير إِلَّا إِلَيْهِ، مثل: بكتمر جلق نَائِب الشَّام، وسيدي الْكَبِير قرقماس، وسودون المحمدي، وشاهين الأفرم أَمِير سلَاح، وطوغان الْحسنى الدوادار الْكَبِير فِي آخَرين.

وَدخل [الْملك] النَّاصِر إِلَى دمشق، وَدخل للوالد غير مرّة يعودهُ؛ فَنَهَاهُ الْوَالِد عَن ملاقاتهم وقتالهم؛ فَلم ينْتَه، وَلَا اكترث بِمن تسحب من عسكره. وَخرج لقتالهم؛ فجبن الْجَمِيع عَن مصاففته وقتاله، وصاروا ينتقلون من بلد إِلَى أُخْرَى، وَهُوَ فِي إثرهم سوقا، وعساكره متقطعة خَلفه، إِلَى أَن وافاهم وَقت الْعَصْر من يَوْم الأثنين ثَالِث عشر محرم سنة خَمْسَة عشر وَثَمَانمِائَة باللجون، وَهُوَ سَكرَان لَا يعي من شدَّة السكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>