وَكَانَ الْأُمَرَاء قد نزلُوا وأراحوا خيولهم ورجالهم، وَفِي ظنهم أَن النَّاصِر يتمهل [ليلته] عَن قِتَالهمْ ويلقاهم من الْغَد، فَإِذا جنهم اللَّيْل سَارُوا من وَادي عارة إِلَى جِهَة الرملة، وَلَا يقاتلوه أبدا؛ لرعب كَانَ قد سكن فِي قُلُوبهم مِنْهُ، وَأَيْضًا لشدَّة بأسه وفرط شجاعته، مَعَ معرفتهم بِكَثْرَة جمعهم وباختلاف عَسْكَر النَّاصِر عَلَيْهِ. وَمَعَ هَذَا جبن الْجَمِيع عَن لِقَائِه وقتاله؛ فحالما وصل النَّاصِر إِلَى اللجون ركب وصف عساكره، وَقد كلت [خيوله وَرِجَاله] من السُّوق أَيَّامًا كَثِيرَة؛ فَكَلمهُ الأتابك دمرداش المحمدي فِي الرَّاحَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَفِي الْقِتَال من الْغَد، وألح عَلَيْهِ، وساعده فِي ذَلِك فتح الله كَاتب السِّرّ؛ فَلم يلْتَفت إِلَى كَلَامهمَا وَقَالَ: أَنا لي سِنِين أنْتَظر هَذَا الْيَوْم مَتى مَا ثَبت اللَّيْلَة هربوا الْجَمِيع فِي اللَّيْل، وَمَشى عَلَيْهِم؛ فحالما صاففهم عصى عَلَيْهِ [من أمرائه] الْأَمِير قجق بِجَمِيعِ مماليكه وَطَلَبه. وتداول [ذَلِك] من جمَاعَة كَثِيرَة، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مصر على اللِّقَاء.
فَلَمَّا رأى الْأُمَرَاء أَمرهم فِي زِيَادَة، وعسكرهم فِي نمو، قوي بذلك قلبهم، وتصادم الْفَرِيقَانِ؛ فَلم يثبت عَسْكَر النَّاصِر وانكسر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute