وَكَانَ يَقُول: أَنا لَا أقلد فِي المعقولات أحدا.
وَقَالَ الْبُرْهَان الأنباسي من أقرانه: لَو طلبت حجج الدّين مَا كَانَ فِي بلدنا من يقوم بهَا غَيره.
وَكَانَ للشَّيْخ نصيب وافر مِمَّا لأرباب الْأَحْوَال من الْكَشْف والكرامات، وَكَانَ تجرد أَولا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ لَهُ أهل الطَّرِيق: ارْجع فَإِن للنَّاس حَاجَة بعلمك.
وَكَانَ يَأْتِيهِ الْوَارِد كَمَا يَأْتِي الصُّوفِيَّة إِلَّا أَنه يقْلع عَنهُ بِسُرْعَة لأجل مخالطته للنَّاس، أَخْبرنِي بعض الصُّوفِيَّة من أَصْحَابه أَنه كَانَ عِنْده فِي بَيته الَّذِي بِمصْر، فَأَتَاهُ الْوَارِد فَقَامَ مسرعا، قَالَ الحاكي: وَأخذ بيَدي يجرني، وَهُوَ يعدو فِي مشيته، وَأَنا أجري مَعَه إِلَى أَن وقف على المراكب، فَقَالَ: مَا لكم واقفين هَا هُنَا؟ فَقَالُوا: أوقفتنا الرّيح وَمَا هُوَ. باختيارنا، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يسيركم، وَهُوَ الَّذِي يوقفكم، قَالُوا: نعم، قَالَ الحاكي: ثمَّ أقلع عَنهُ الْوَارِد، فَقَالَ لي: لعَلي شققت عَلَيْك؟ قَالَ: فَقلت: إِي وَالله، وَانْقطع قلبِي من الجري. فَقَالَ: لَا تَأْخُذ عَليّ فَإِنِّي لم أشعر بِشَيْء مِمَّا فعلته.
وَكَانَ الشَّيْخ يلازم لبس الطيلسان كَمَا هُوَ السّنة، ويرخيه كثيرا على وَجهه وَقت حُضُور الشيخونية وَكَانَ يُخَفف الْحُضُور جدا، ويخفف صلَاته، كَمَا هُوَ شَأْن الأبدال، فقد نقلوا أَن صَلَاة الأبدال خَفِيفَة، وَكَانَ الشَّيْخ أفتى بُرْهَة من عمره، ثمَّ ترك الْإِفْتَاء جملَة.
وَولي من الْوَظَائِف تدريس الْفِقْه بالمنصورية وبقبة الصَّالح، وبالأشرفية الَّتِي بِقرب المشهد النفيسي، ثمَّ نزل عَنْهَا لشَيْخِنَا الشَّيْخ سيف الدّين الْحَنَفِيّ تِلْمِيذه، لما قرر الْأَشْرَف برسباي شَيخنَا فِي مدرسته عوضا عَن الْعَلَاء الرُّومِي، ثمَّ رغب عَنْهَا وَاسْتقر بعد ذَلِك فِي مشيخة الشيخونية، فباشرها مُدَّة أحسن مُبَاشرَة، غير ملتفت إِلَى أحد من الأكابر وأرباب الدولة، ثمَّ رغب عَنْهَا لما جاور بالحرمين، وَاسْتقر بعده شَيخنَا الْعَلامَة محيي الدّين الكافيجي.
وَكَانَ حسن اللِّقَاء والسمت والبشر وَالْبزَّة، طيب النغمة؛ مَعَ الْوَقار والهيبة، والتواضع المفرط والإنصاف والمحاسن الجمة، وَكَانَ أحد الأوصياء عَليّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute