للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ أَبُو الْحسن الْعَرُوضِي: اجْتمعت أَنا وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي عِنْد الراضي بِاللَّه على الطَّعَام - وَكَانَ الطباخ قد عرف مَا يَأْكُل - فَكَانَ يطْبخ لَهُ قلية يابسة، قَالَ فأكلنا نَحن ألوان الطَّعَام وأطايبه، وَهُوَ يعالج نلك القلية ثمَّ فَرغْنَا وأتينا بحلواء: وقمنا وملنا إِلَى الخيش فَنَامَ بَين الخيشين، وَنِمْنَا نَحن فِي خيشين وَلم يشرب مَاء إِلَى الْعَصْر، فَلَمَّا كَانَ الْعَصْر قَالَ: يَا غُلَام، الْوَظِيفَة: فَجَاءَهُ بِمَاء من الْحبّ وَترك المَاء المزمل بالثلج، فغاظني ذَلِك، فَصحت، فَأمر الراضي بإحضاري، وَقَالَ: مَا قصتك؟ فَأَخْبَرته، وَقلت: هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يحْتَاج أَن يُحَال بَينه وَبَين تَدْبِير نَفسه؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلهَا، وَلَا يحسن عشرتها، فَضَحِك، وَقَالَ: يَا أَبَا بكر، لم تفعل هَذَا؟ قَالَ: أُبْقِي على حفظي، قلت لَهُ: قد أَكثر النَّاس فِي حفظك، فكم تحفظ؟ قَالَ: ثَلَاثَة عشر صندوقاً.

قَالَ: وَسَأَلته يَوْمًا جَارِيَة للراضي عَن شَيْء فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا، فَقَالَ: أَنا حاقن؛ ثمَّ مضى من يَوْمه، فحفظ كتاب الْكرْمَانِي، وَجَاء من الْغَد وَقد صَار معبراً للرؤيا، وَكَانَ يَأْخُذ الرطب فيشمه، وَيَقُول: إِنَّك لطيب؛ وَلَكِن أطيب مِنْك حفظ مَا وهب الله لي من الْعلم.

وَلما مرض مرض الْمَوْت، أكل كل شَيْء كَانَ يَشْتَهِي؛ وَقَالَ: هِيَ عِلّة الْمَوْت.

قَالَ الْخَطِيب: وَرَأى يَوْمًا بِالسوقِ جَارِيَة حسنا، فَوَقَعت فِي قلبه، فَذكرهَا للراضي، فاشتراها وَحملهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إعتزلي إِلَى الِاسْتِبْرَاء، قَالَ: وَكنت أطلب مَسْأَلَة، فاشتغل قلبِي، فَقلت للخادم: خُذْهَا وامض بهَا، فَلَيْسَ قدرهَا أَن تشغل فلبي عَن علمي؛ فَأَخذهَا الْغُلَام، فَقَالَت لَهُ: دَعْنِي اكلمه بحرفين، فَقَالَت لَهُ: أَنْت رجل لَك مَحل وعقل، وَإِذا أخرجتني وَلم تبين ذَنبي، ظن النَّاس فيَّ ظنا قبيحا، فَقَالَ لَهَا: مَالك عِنْدِي ذَنْب غير أَنَّك شغلتني عَن علمي، فَقَالَت: هَذَا سهل، فَبلغ الراضي، فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَن يكون الْعلم فِي قلب أحد أحلى مِنْهُ فِي صدر هَذَا الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>