للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَاضِي تونس، وَقدم سنة تسعين، فَسمع بِدِمَشْق من ابْن القواس وَأبي الْفضل بن عَسَاكِر وَجَمَاعَة، ودرس بالمنكوتمرية، وَأعَاد بالناصرية وَغَيرهَا، ودرس الطِّبّ بالمارستان؛ وَكَانَ يتوقد ذكاءً، وَمهر فِي الْفُنُون، حَتَّى إِذا صَار يتحدث فِي شَيْء من الْعُلُوم تكلم فِي دقائقه وغوامضه، حَتَّى يَقُول الْقَائِل: إِنَّه أفنى عمره فِي ذَلِك. وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يَقُول: مَا أعرف أحدا مثله. وَقَالَ ابْن سيد الناي: لما قدم قعد فِي سوق الْكتب - وَالشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس هُنَاكَ - وَمَعَ المنادى ديوَان ابْن هَانِئ؛ فَنظر فِيهِ ابْن القوبع، فترنم بقوله:

(فتكات لحظك أم سيوف أبيكِ ... وكؤوس خمرٍ أم مراشف فِيك)

فقرأه بِالنّصب فِي الْجَمِيع، فَقَالَ لَهُ ابْن النّحاس: يَا مَوْلَانَا هَذَا نصب كَبِير فَقَالَ لَهُ بنترة: أَنا أعرف الَّذِي تُرِيدُ من رَفعهَا، على أَنَّهَا اخبار لمبتدءات مقدرَة، وَالَّذِي أَنا ذهبت إِلَيْهِ أغزل وأمدح، وَتَقْدِيره: " أقاسي فتكات لحظك "، فَقَالَ لَهُ: يَا مَوْلَانَا فَلم لَا تتصدر وتشغل النَّاس؟ فَقَالَ: وأيشٍ هُوَ النَّحْو فِي الدُّنْيَا حَتَّى يذكر! .

وَكَانَت فِيهِ بادرة وحدة، وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى النَّاس من غير حَاجَة إِلَى أحد، وَلَا يسْعَى فِي منصب، وناب فِي الحكم فِي الْقَاهِرَة ثمَّ تَركه، وَقَالَ: يتَعَذَّر فِيهِ بَرَاءَة الذِّمَّة.

وَجَاء إِلَيْهِ إِنْسَان يصحح عَلَيْهِ أمالي القالي، فَكَانَ يسابقه إِلَى أَلْفَاظ الْكتاب، فبهت الرجل، فَقَالَ لَهُ: لي عشرُون سنة مَا كررت عَلَيْهِ.

وَكَانَ كثير التِّلَاوَة، حسن الصُّحْبَة، كثير الصَّدَقَة سرا، وَلَا يمل المطالعة فِي الشِّفَاء لِابْنِ سينا كل لَيْلَة مَعَ غير سآمة وملل، ويلثغ بالراء همزَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>