للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِنَّمَا يَحْتَاجُونَ كل يَوْم إِلَى مَسْأَلَتَيْنِ فِي النَّحْو، وبيتين من مَعَاني الشّعْر، وأحرف من اللُّغَة، وَأَنا ألقنك كل يَوْم قبل أَن تأتيهم فتحفظه، وتعلمهم، فَقَالَ: نعم. فَقَالَ لَهُم: قد وجدت من أرضاه؛ وَإِنَّمَا أخرت ذَلِك حَتَّى وجدته - وَسَماهُ لَهُم - فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا اخْتَرْت رجلا من رجال النّوبَة، وَلم تأت بِأحد مُتَقَدم فِي الْعلم، فَقَالَ: مَا أعرف فِي أَصْحَابِي أحدا مثله فِي الْفَهم والصيانة، وَلست أرْضى لكم غَيره. فَأدْخل الْأَحْمَر إِلَى الدَّار، وفرش لَهُ الْبَيْت الَّذِي يعلم فِيهِ بفرش حسن - وَكَانَ الْخُلَفَاء إِذا أدخلُوا مؤدّبا إِلَى أَوْلَادهم فَجَلَسَ أول يَوْم أمروا بعد قِيَامه بِحمْل كل مَا فِي الْمجْلس إِلَى منزله - فَلَمَّا أَرَادَ الْأَحْمَر الِانْصِرَاف، دعِي لَهُ بحمالين، فَقَالَ الْأَحْمَر: وَالله مَا يسع بَيْتِي هَذَا، وَمَا لنا إِلَّا غرفَة ضيقَة، وَإِنَّمَا يصلح هَذَا لمن لَهُ دَار وَأهل، فَأمر بشرَاء دَار لَهُ، وَجَارِيَة وَغُلَام ودابة، وأقيم لَهُ راتب فَجعل يخْتَلف إِلَى الْكسَائي كل عَشِيَّة، فيتلقن مَا يحْتَاج فِيهِ أَوْلَاد الرشيد، وَيَغْدُو عَلَيْهِم فيلقنهم، ويأتيهم الْكسَائي فِي الشَّهْر مرّة أَو مرَّتَيْنِ، فيعرضون عَلَيْهِ بِحَضْرَة الرشيد مَا علمهمْ الْأَحْمَر، فيرضاه فَلم يزل الْأَحْمَر كَذَلِك حَتَّى صَار نحويا، وجلت حَاله، وَعرف بالأدب حَتَّى قدم على سَائِر أَصْحَاب الْكسَائي.

وَقَالَ ثَعْلَب: كَانَ الْأَحْمَر يحفظ أَرْبَعِينَ ألف شَاهد فِي النَّحْو، وَكَانَ مقدما على أَفْرَاد فِي حَيَاة الْكسَائي، وأملى الْأَحْمَر شَوَاهِد النَّحْو، فَأَرَادَ الْفراء أَن يتممها فَلم يجْتَمع لَهُ النَّاس كَمَا اجْتَمعُوا للأحمر، فَقطع.

وَقَالَ مُحَمَّد بن الجهم: كُنَّا نأتي الْأَحْمَر، فَيدْخل قصرا من قُصُور الْمُلُوك، فِيهِ فرش الشتَاء فِي وقته، وفرش الصَّيف فِي وقته، وَيخرج علينا، وَعَلِيهِ ثِيَاب الْمُلُوك ينفح مِنْهَا رَائِحَة الْمسك والبخور، ويلقانا بِوَجْه طلق، وَبشر حسن، ثمَّ ننصرف إِلَى الْفراء فَيخرج إِلَيْنَا معبسا قد اشْتَمَل بكسائه، فيجلس لنا على بَابه، ونجلس على التُّرَاب بَين يَدَيْهِ، فَيكون أحلى فِي قُلُوبنَا من الْأَحْمَر وَجَمِيل فعله.

صنّف الْأَحْمَر التصريف، وتفنن البلغاء.

وَمَات بطرِيق الْحَج سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة. وَحَيْثُ أطلق فِي جمع الْجَوَامِع فَهُوَ هُوَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>