للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للنجاشيِّ هدايا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ (١) من متاع مكَّةَ، وكان مِن أَعْجَبِ ما يأْتِيه منها إليه الأَدَمُ (٢)، فجَمَعُوا له أَدَمًا كثيرًا، ولم يتركوا مِن بطارقته بِطْريقًا (٣) إِلا أهدَوا له هديةً، ثُمَّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزوميِّ وعمرو بن العاص بن وائل السهميِّ، وأَمَرُوهُما أَمْرَهُم، وقالوا لهما: ادفعَا إلى كلِّ بِطْريقٍ هديَّتَه قبل أن تُكلِّموا النجاشيَّ فيهم، ثم قَدِّموا للنجاشيِّ هداياه، ثم سَلُوه أن يُسْلِمَهُم إليكم قبل أَنْ يُكلِّمَهم.

قالتْ: فخرجَا، فقَدِمَا على النجاشيِّ، ونحن عنده بخيرِ دارٍ، وعند خَيرِ جارٍ، فلم يبقَ مِن بَطَارقته بِطْريقٌ إلا دفعَا إليه هديَّتَه، قبل أنْ يكلِّما النجاشيَّ، ثم قالا لكلِّ بِطْريقٍ منهم: إنَّه قد صَبَأَ إلى بَلَدِ المَلِكِ (٤) مِنَّا غِلْمانٌ سفهاءُ، فارقوا دِينَ قومِهِم، ولم يدخلوا في دِينكم، وجاؤُوا بدينٍ مُبتَدَعٍ لا نعرِفُهُ نحنُ ولا أَنتم، وقد بَعَثَنَا إلى المَلِك فيهم أشرافُ قومِهم، لنردَّهم إليهم، فإذا كلَّمنا المَلِكَ فيهم؛ فأَشِيرُوا عليه بأَنْ يُسلِمَهم إلينا، ولا يُكلِّمَهم، فإنَّ قومَهم أعلَى بهم عَيْنًا (٥)، وأَعلمُ بما عابُوا عليهم. فقالوا لهما: نعم.

ثُمَّ إنَّهما قرَّبَا هداياهم إلى النجاشيِّ، فقبِلَها منهما، ثم كلَّماه، فقالا له: أَيُّها الملكُ! إنَّه قد صَبَأَ إلى بلدك منَّا غلمانٌ سفهاءُ، فارقوا دِينَ قومِهم،


(١) أي: يُستحسنُ.
(٢) الأَدَمُ: جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ، أو الأحمر منه.
(٣) البِطْريق: هو الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، ويكون من خواصِّ الدولة. «لسان العرب» (مادة: بطرق).
(٤) «صَبَأَ: إذا خرج من دينٍ إلى دينٍ، والمراد هاهنا: الخروج مطلقًا، أو من الدين، و «إلى» متعلقة بمقدَّر، أي: متوجهين إلى بلد الملك». قاله السِّنديُّ في «حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل» (٢/ ٢١٠:٩٧٧)، ومنه نقلتُ أكثر التعليقات على هذا الحديث.
(٥) أي: نظرًا. أي: نظرهم يكفي عن نظرك.

<<  <   >  >>