للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يدخلوا في دِينكَ، وجاؤُوا بدينٍ مُبتَدَعٍ، لا نعرِفُه نحنُ ولا أنتَ، وقد بَعَثَنا إليك فيهم أشرافُ قومِهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم، لتَرُدَّهُم إليهم، فَهُمْ أعلَى بهم عينًا، وأعلَمُ بما عابوا عليهم وعاتَبُوهُم فيه.

قالت: ولم يكن شيءٌ أبغضَ إلى عبد الله بن أبي ربيعةَ وعمرو بن العاص من أَنْ يَسْمَعَ النجاشيُّ كلامَهم، فقالت بَطَارقَتُه حولَه: صَدَقوا أيُّها الملكُ! قومُهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأَسْلِمْهُم إليهما، فلْيَرُدَّاهم إلى بلادهم وقومهم.

قالتْ: فغضب النجاشيُّ، ثم قال: لا ها أَيْمُ الله إِذَنْ (١)، لا أُسْلِمُهم إليهما، ولا أُكَاُدُ قومًا جاوَرُوني (٢)، ونزلُوا بلادِي، واخْتَارُونِي على مَن سِوايَ، حتَّى أَدْعُوهُم فأسأَلَهم ما يقولُ هذان في أَمرهم، فإنْ كانوا كما يقولان؛ أسْلَمْتُهم إليهما، وردَدْتُهم إلى قومِهم، وإِنْ كانوا على غير ذلكَ؛ منَعْتُهم منهما، وأَحسَنْتُ جوارهم، ما جاوَرُونِي.

قالتْ: ثُمَّ أَرسلَ إلى أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدَعاهُم، فلما جاءَهم رسولُه اجتَمَعُوا، ثُمَّ قال بعضهم لبعضٍ: ما تقولونَ للرَّجُل إذا جِئْتُمُوه؟ قالوا: نقولُ


(١) قال السِّنديُّ: «كلمةُ: «لا» للنفي، أي: ليس الأمر كما ذكرتم، و «ها» حرف تنبيه، و «أيم الله» للقسم، و «إذَنْ» بمعنى: إذا جاؤوا بلادي، ودخلوا فيها». وفي «سير ابن إسحاق»: «لا، لَعَمرُ الله لا أردُّهم عليهم حتَّى .. ».
(٢) قال السِّنديُّ: «ولا أكاد» خبره محذوف، أي: أُسلمهم. وقال أحمد محمد شاكر في شرح «المسند» (٣/ ١٨٤): «ولا أُكادُ: بضم الهمزة، فعل مبنيٌّ للمجهول، أي: ولا يكيدني أحدٌ، ففي «لسان العرب» (مادة: كيد): «يقولون إِذا حُمِلَ أَحدُهُمْ على ما يَكْرهُ: لا والله ولا كَيْدًا ولا هَمًّا. يريد: لا أُكَادُ ولا أُهَمُّ». وضبط الفعلان فيه بوزن المبني للمجهول، وهذا هو الصواب عندي، خلافًا لضبطهما في «القاموس المحيط». والمراد أنه يقول: إنه لا يُسْلِمُهم أبدًا، ولا يهمُّه من ذلك شيءٌ، ولا يخشى أن يلقى فيه كيدًا. وهذا استعمال نادرٌ، لم أجد مثله في غير هذا الموضع».

<<  <   >  >>