للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واللهِ ما عَلِمْنا، وما أمرنا به نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، كائنٌ في ذلك ما هو كائنٌ. فلما جاؤُوهُ ـ وقد دعا النجاشيُّ أساقِفَته (١)، فنشرُوا مصاحِفَهم حولَه ـ سأَلَهم فقال: ما هذا الدِّين الذي فارَقْتُم فيه قومَكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دِين أحدٍ من هذه الأُمَم؟

قالتْ: فكان الذي كلَّمَه جعفرُ بن أبي طالبٍ، فقال له: أيُّها الملكُ! كنَّا قومًا أهلَ جاهليَّةٍ: نعبدُ الأصنامَ، ونأكلُ الميتةَ، ونأْتِي الفواحشَ، ونقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجوارَ، يأكُلُ القويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حتَّى بعث الله إلينا رسولاً مِنَّا، نَعْرِفُ نسَبَه، وصِدْقَه، وأَمانَتَه، وعَفَافَه، فدَعَانا إلى الله لنوحِّدَه ونَعْبُدَه، ونَخْلَع ما كُنَّا نَعْبُدُ نحنُ وآباؤُنا مِن دونِه من الحجارة والأوثان.

وأمَرَنَا بصدق الحديث، وأداءِ الأمانة، وصلة الرَّحِمِ، وحُسْن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدِّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزُّور، وأكل مال اليتيم، وقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ.

وأمرنا أَنْ نعبُدَ الله وحْدَه، ولا نشركَ به شيئًا، وأمرَنا بالصَّلاة والزَّكاة والصِّيام ـ قالتْ: فعَدَّد عليه أُمورَ الإسلامِ. ـ فصدَّقْناهُ، وآمنَّا به، واتَّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحْدَه، فلم نُشركْ به شيئًا، وحرَّمْنا ما حرَّمَ علينا، وأَحْلَلْنا ما أحلَّ لنا، فَعَدَا علينا قومُنا، فعَذَّبُونا، وفَتَنُونا عن ديننا، ليَرُدُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأنْ نستَحِلَّ ما كنَّا نَسْتَحِلُّ من الخبائث، فلمَّا قهَرُونا وظَلَمُونا، وشَقُّوا علينا، وحالُوا بيْنَنَا وبين دِيننا؛ خرَجْنا إلى بلدكَ، واخترناكَ على مَنْ سواكَ، ورَغِبْنَا في جواركَ، ورَجَوْنا أن لا نُظْلَم عندكَ أيُّها الملكُ!

قالتْ: فقال له النجاشيُّ: هل معك مِمَّا جاء به عن الله من شيءٍ؟ قالتْ: فقال له جعفرٌ: نعم. فقال له النجاشيُّ: فاقْرَأْه عليَّ. فقرأ عليه صَدْرًا من


(١) جمع «الأَسقُف» وهو العالم والرئيس من علماء النَّصارى. «لسان العرب» (مادة: سقف).

<<  <   >  >>