للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{كهيعص} (١). قالتْ: فبَكَى ـ واللهِ! ـ النجاشيُّ حتَّى أَخْضَلَ (٢) لحيتَهُ، وبكت أساقِفَتُه حتَّى أخْضَلُوا مصاحِفَهُم حين سَمِعُوا ما تلا عليهم. ثُمَّ قال النجاشيُّ: إنَّ هذا ـ واللهِ! ـ والذي جاءَ به مُوسَى ليَخْرُجُ من مِشْكاةٍ واحدةٍ، انْطَلِقَا، فواللهِ لا أُسلِمُهم إليكم أبدًا، ولا أُكادُ (٣).

قالتْ أُمُّ سَلَمة: فلمَّا خرجَا من عنده، قال عمرو بن العاص: واللهِ لأُنبِّأَنَّهُ غدًا عَيْبَهم عنده، ثم أستَأْصِلُ به خَضْراءَهُم (٤). قالت: فقال له عبدُ الله بن أبي رَبيعة ـ وكان أتقَى الرَّجلين فينا ـ: لا تفعلْ، فإنَّ لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرَنَّه أنَّهم يزعمون أنَّ عيسى ابنَ مريم عبْدٌ.

قالت: ثم غَدَا عليه الغَدَ، فقال له: أيُّها الملكُ! إنَّهم يقولونَ في عيسى ابنِ مريم قولاً عظيمًا، فأَرسِلْ إليهم فاسْأَلْهم عمَّا يقولون فيه. قالت: فأَرسَلَ إليهم يسأَلُهم عنه ـ قالتْ: ولم ينْزِلْ بنَا مثله ـ فاجتمَعَ القومَ، فقال بعضهم لبعضٍ: ماذا تقولون في عيسَى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول ـ واللهِ! ـ فيه ما قالَ الله، وما جاء به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ. فلمَّا دخلوا عليه قالَ لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفرُ بن أبي طالبٍ: نقول فيه الذي جاء به نبيُّنا هو عبدُ الله ورسولُه ورُوحُه وكلِمَتُه ألقاها إلى مَرْيَمَ العَذْراءِ البَتُولِ.


(١) وهي سورة مريم (١٩)، وفي أولها قصَّة مريم وولادة المسيح عليهما السلام، الآيات: (١ - ٤٠).
(٢) أي: بَلَّ.
(٣) وفي «سيرة ابن إسحاق»: «قال: إنَّ هذا الكلامَ ليخرجُ من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدينَ، لا والله لا أردُّهم عليكم، ولا أُنعمكم عينًا». وكذلك هو في أكثر المصادر، فما وقع في بعضها من ذكر «عيسى» مكان «موسى» تحريف.
قال السِّنديُّ رحمه الله: «لم يقل: عيسى، مع أنه نبيُّهم؛ لما فيه من خلاف اليهود، بخلاف موسى، فلم يختلف أحد من الطوائف المعلومة في نبوَّته».
(٤) «أستأصل» أي: أُخرج من الأصل «خضراءهم» أي: جماعتهم.

<<  <   >  >>