١ - إنَّ إرشاد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه المستضعفين إلى الهجرة إلى الحبشة، وأمرهم بذلك، يدلُّ على شفقته عليهم، ورحمته بهم، وحرصه على حياتهم، وتألُّمه ممَّا كانوا يعانونه من التَّعذيب والأذى الشَّديد، وإن كانَ هو - صلى الله عليه وسلم - في سلامةٍ من ذلك. قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: ١٢٨].
٢ - إنَّ هجرتهم كانت طلبًا لحقِّهم في توحيد الله وعبادته بأمانٍ وسلامٍ، وليس لتحقيق أهدافٍ ماديَّةٍ أو سياسيَّةٍ، وتلك كانت قضيَّتهم في دارهم وموطنهم مكَّة، فلم يكن غرضهم المنازعة على السلطة فيها، ولا المغالبة على أمر الوِلاية عليها، لهذا هانَ عليهم تركُها وإنْ كانتْ أفضلَ البقاع وأشرَفَها، لأنَّ وطَنَ المسلمِ حيثُ يتمكَّنُ منْ عبادة ربِّه، والأَمن على نفسه.
٣ - إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد مدح النجاشيَّ ـ ولم يكن مسلمًا حينئذٍ ـ بأنَّه:«ملكٌ لا يظلمُ عنده أحدٌ». فدلَّ ذلك على أنَّ المخالف في الدين والعقيدة قد يكون عنده من مبادئ الحقِّ والعدل والرَّحمة ما يكونُ قاعدةً للالتقاء والتعاون معه في الحقِّ والخير، ويستحقُّ به الثناء الجميل.
٤ - إنَّ الكفَّار متفاوتون في مواقفهم من دين الإسلام وأهله، فبعضهم يبالغ في العداء والمحاربة، وبعضهم يميل إلى المسالمة والإعراض، وآخرون منهم يختارون المعاملة على أساس الحقِّ والعدل والإنصاف. فمن الجهل والظلم عدمُ إنزالهم منازلهم، والنَّظَرُ إليهم بعينٍ واحدةٍ من غير اعتبارٍ لمواقفهم.
٥ - لقد التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالصِّدق التامِّ في عرض قضِّيتهم، فاستحقُّوا تأييد الله تعالى، ونالوا القبول والحظوة عند ملك الحبشة، وكان من ثمار ذلك أن اقتنَعَ بدعوتهم، فدخل في دين الإسلام، وثبت عليه رغم معارضة خواصِّ رجال دولته وعامَّة قومه له، فبقي كاتمًا إسلامَه إلى أن مات سنة تسعٍ من الهجرة (٦٣٠ م)، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في المدينة: «ماتَ اليومَ