وهذه الاقاويل كلها تحتمل ان يكون لؤلؤا كما يحتمل ان يكون من فضة مصوغا قال ذو الرمة -
والودق سيتن من اعلى طرائقه ... جول الجمان جرى في سلكه الثقب
والسلك والثقب من المضاف وكل واحد يجرى في الآخر كما يقال جعلت الخاتم في اصبعي وحقيقته جعلت الاصبع في الخاتم - قال ابو حمزة -
عليهن ياقوت وشذر وفضة ... ودر كلون الشمس لم يتسلم
وقال قيس بن الملوّح -
كأن جمان صواغ عليها ... اذا ما ليلة مجت نداها
فذكر الصوّاغ مع الجمان يقوّى الظن بقضيته لكن الصواغ ايضا ترصصع الجواهر التى لاتعملها وتشتغلها بمزاولتها - قال الاعشى -
من يرهوذة يسجد غير متَّلِب ... اذا تعصب فوق التاج أو وضعا
له اكاليل بالياقوت فصلها ... صوّاغها لاترى عيبا ولا طبعا
وذلك ان كسرى أبرويز كان اكرم هوذة بن علي بن بتاج فزعمت حنيفة انه لم يره احد من العرب الا سجد لكبريائه ولا احد من العجم الا سجد لصورة كسرى فيه كرسمهم عند رؤية صورته في الدراهم - قال الاسود بن يعفر -
من خمر ذى نطف أغنَّ منطّقٍ ... وافىَ بدراهم الأسجاد
ويجئ في العمل الا ما يحتمل احد هذين الوجهين المتضادين فالذى لايحتمل لعتمال الجمان من الفضة ويصرح بانه اللؤلؤ قول لبيد -
كجمانة البحر جاء بها ... غوّاصها من لجة البحر
فأن اضافتها الى البحر مصرح ان اللؤلؤ منه ومشكك في المشبه به لتفضله منه وقال جميل بن معمر العذرى -
من البيض معطار بزين لبانها ... جمان وياقوت ودر مؤلف
فالزينة هاهنا الياقوت والدر والتأليف بصغار الالئ الفاصلة والمعمول من الفضة كالعهن من الدمقس - وقال ابن احمر -
كأن دوىّ الحَلى تحت ثيابها ... دوىّ اليفى لاقى الرياح الزعازعا
جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضازان الجيوب الروادعا
والذى لايحتمل ان يكون معمولا قول هدبة -
عليهن من صوغ االمدينة حلية ... جمان كأجواز الدبا ورفارف
وقيل في الفارسي انه معرب فان كان كذلك فهو من كُمان وهة الظن حتى لايتحقق معه أهو اللؤلؤ ام مشبه به وهذا الى انه معمول من الفضة فقلما تقع الشبة فى اللؤلؤ وانما تقع في اشباهه - ومن المستحسن لفظه فى الشعر قول الاول -
أمسى فؤادى عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل
كأأنها من حسنها درة ... أخرجها اليُّم الى الساحل
ثم انه المستقبح لأن المقذوف لايكون الا في صدف ميت وهو في هذه الحالة على شفاء من العيوب من التغير والتأكل وما دام الصدف حيا فانه ملازم للقرار غير متعرض للتيار حتى ينقذف الى الساحل - ومنه قول مسرور -
او درة ضحكت زهراء عن صدف ... مجت بها قذفات البحر ذي الزبد
وقال منصور القاضي -
فتى اذا فاض ندى كفه ... غص من الغيث إذا ما هتن
كالبحر ان هاج طمى بالردى ... ويقذف الدر إذا ما سكن
ولم يذكر منصور في البيت الاول ما يتعلق في التشبيه في البيت الثانى وفصله بحرف الكاف لأنه إذا شبه الطمو بالردى والفيض بالندى ابعد جدا - وأما قوله في الدر فأشد وهنا وبكذب الشعراء أزيد حسنا فان حمل قذف البحر الدر في الصدف الحي باهتياج وجب حادث في قعرة من أشباه الزلازل والرجفات التي تكون في البر حتى يزعج ما على قراره الى وجهه لكان قولا ما ولكن قذفه إياه وقت السكون اعجب ما يكون - وكأن من روى قول المتنبي -
كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا
فطن لهذا فابدل القذف بالاعطاء وقد اخذ هذا منصور القاضى من قول المتنبى -
هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدر وأحذره إذا كان مزبدا
إلا انه أفسد الدرة وحولها بغيره - وابن سمودة اخذ منه في قوله -
ولم يدر أن البحر يُعبَر ساكنا ... وان هاج يوما فالسفين كَسير
وهؤلاء شبه الممدوح في سخائه بالبحر ورفعه ابو الفرج بن هند وعنه فقال -
البحر يخزن دره في بحره ... وغثاؤه المبذول للوراد
وأقل مبذول لطارق رحله ... درر يجيب بهن حيث ينادى