ليس هذا مما تعرفه الغاصة الآن وهم يبصرون في ماء البحر ويفتحون أجفانهم ولا تضر الملوحة باحداقهم ثم انه ليس الزيت في ذاته ضوءا - وإما قوله تعاى، (يكادُ زيتُها يُضئ (ولو لم تمسسه نار) فعلى المبالغة في صفته بالصفاء والنقاء فالمنحرف عنهم إلى الأخبار المسموعة من ألسن قد شاهدوا ومارسوا - قال نصر في كتابه، ذكر الجوهريون أن من أراد تعلم الغوص يقدم بحشو أذنيه على غاية الأحكام حتى تتعفن وتتدود وينفتح له إلى الحلق طريق يتنفس منه تنفسا ضعيفا داخل الماء - وكأنه سقط من النسخة مائية الحشو واظن أن العفونة والتدود يكون فيه او منه - وذكر الكندي ذلك على صورة اخرى وهو ان يحبس نفسه في بدء التعلم فيرم لذلك اصل اذنه ويجتمع فيه الدم والمدة ثم يتفجر إلى حلقه وينخرق ما بينهما خرقين إذا اندملا خرج بهما النفس خروجا ضعيفا معينا على الزيادة في اللبث وإمساك النفس في الأكثر من ربع ساعة - والاشتراك بين الأذن والفم في العلل وعلاجها معروف كاشتراك الصوت والسمع في الفهم والتفهيم والتنفس ينقسم إلى جذب وارسال في حاجة القلب في الترويح وذتكية الحرارة الغريزة هو إلى ما يدخل من الهواء البارد دون الذى تخرج من الحار فانه بمنزلة نفض الفضول التى لايحتاج إليها بل لاخراج ضرورى فيما أليه الحاجة مما لم يخرج من الأحشاء ما فيها من الهواء لم يمكن الاستبدال بغيره فهب انه ينفس بذينك الخرقين فليس الا احد قسميه الذى هو الأخراج الذي لا يغنى عن القلب بل يزيده اختناقا إذا لم يدخل بدله ما يتشوق أليه والذي يخرج بالخرقين إلى الماء هو هواء محالة انه ينزع على وجه الماء والقسم الثانى من التنفس من أين وليس هناك هواء - فان كان من الماء فهو معين على الإتلاف قياسا على الغريق الذي لا ينفعه برد الماء مع عدم الترديد وأظن هذا الخبر من أساطير الحمقى وتسوق الغواصين على تجارهم حتى تواتر ذلك فاشتغل هذين الفاضلين بتوجيه وجوه له بعد تصديقه - وقال نصر ووافقه أكثرهم من شاهد ثم أخبر ان الغائض إذا اراد الغوص انتظر الظهيرة وتكبد الشمس السماء ليضئ البحر ويظهر له ما فيه ثم يجبل البصر حتى يقع على المحار الكبير كأنه حجر مسطح ويراه من فوق الماء اعظم من مقداره كحبة العنبة الصغيرة فأنها ترى في الماء الصافي كالاجاصة الكبيرة فتكون المحارة في مرآه كالجرة الكبيرة ويركب خشبة معقفة من خشب الدوم قد شد في أحد طرفيه بحبل في حجر اسود من خمسة وعشرين منا إلى ثلاثين منا ثم حرك مركبه ذلك مما يشبه المجدف إلى ان يحاذى الصدف الذى رأى ثم ينبح ويعوى ويصيح لتتفرق الحيوانات المؤذية من حول الصدف وتهرب ويحشو منخريه بقطعتى عاج او خشب السرو فانه لا ينفتح في الماء ويتزر بفوطة ويعمل في عنقه مخلاة من قنب على نسج الشباك ليجعل فيه ما جناه من الأصداف ثم يضع رجليه على الحجر ويتعلق بالرسن فيتعاونا على الرسوب وعلى هذا الرسن يصعد أيضا ثم يمتح الحجران إلى البقيرة ويذهب إلى الساحل - وإنما يختار الأسود لان في البحر حيوانا يخافه الغاصة فانه إذا مر بهم قطعهما فمتى كان هذا الحجر اسود هرب هذا الحيوان منه وان كان ابيض أو لونا آخر ظنه مطعوما فقصده للصيد وربما حذبه فقلب البقيرة وأتلفها شدة الجذب وإذا رآه الغواص ترك حجره واسرع في الصعود إلى وجه الماء ناجيا بنفسه ويسبح إلى الساحل وصاح صيحة واحدة عالية في التنفس لمكثه عادمه ثم يتدثر نعما ويبقى كذلك ساعة صالحة إلى ان يعرق ثم يقوم ويعود إلى عمله ولا يمكنه ذلك من الضحوة إلى الظهيرة اكثر من ثلاث مرات او اربع وهو على الريق - فإذا فرغ من العمل اشتغل بالطعام والصدف في الخمود تفتح افواهها وتطبقها إلى ان تموت مع الفراغ من اكله فياخذ في شقها وتفتيشها فان شق الحى منها يعسر لقبضه الدفتين وضمها بقوة - ويأخذ ما يجد فيها ان كان يعمل لنفسه أو يسلمه إلى امين التاجر ان كان اجيرا وما بقى من الصدف فهو له فإذا لم يجد في مهبطه صدفا خلى عن رسنه وتباعد حوله قدر رمية سهم يملأ مخلاته بما يجده ويعزله وربما التقى على الصدفة غواصان فتنازعاها واستولى عليها الاقوى القاهر - وإذا لم يجد صدفا اخذ حيوان الأظفار وهو كالمعي في كل واحد من طرفيه كوة فيها ظفران من اظفار الطيب - وذكر الكندي في جملة ما انه يقمش إذا لم يجد صدفا الشبيه بالشعر الذي يعمل منه اسورة الأكراد يسمى شعر